سنة واحدة على تحرير الجنوب اللبناني، ورئيس الوزراء الاسرائيلي يتحدث الى ناخبيه الموعودين بالامن، داعيا اياهم الى “الصمود”.
قد يبدو الامر في البداية نوعا من اساليب مألوفة درج عليها المسؤولون الاسرائيليون في التوجه الى العالم واصفين »دولتهم« بانها كيان صغير مهدد في وسط بحر من الدول العربية المتوحشة، التي تريد رمي اليهود المساكين في البحر.
لكن واقع الامر مختلف هذه المرة حتى في عيون العالم الخارجي، وذلك لعدة استحالات:
استحالة رسم صورة لاسرائيل المسكينة، في حين يواجه الحجر بالدبابة، والشهادة الفردية بطائرات اف 16.
استحالة رسم صورة العالم العربي المستعد لالتهامها، او رمي مهاجريها في البحر الذي بدأت هجرتهم عبره، في حين يواجه هذا المحيط العربي تهم التقاعس حتى عن دوره الدفاعي (دون ان يعني ذلك ان للتقاعس حسنات).
استحالة تثبيت صفة الارهاب على الفلسطينيين والعرب، وحتى الاسلاميين منهم، لان هؤلاء المنتفضين يتماهون مع المقاومة الفرنسية او الجزائرية الامريكية او الفيتنامية، فهل يمكن ان يصبح شارل ديغول او بن بيلا، جورج واشنطن او هوشي منه، ارهابيين؟ هل يمكن ان يصبح الكاميكاز ارهابيين؟
استحالة الاستمرار في مقولات عقيمة، لم تمر الا لغياب من يتصدى لها بالحجة والمعلومة والوثيقة، او بفرض امر واقع على الارض: ففلسطين لم تعد في ذهن احد ارضا بدون شعب، لان شعبها تحدى العالم بوجوده منذ الانتفاضة الاولى وحتى الثانية.
واسرائيل لم تعد دولة الناجين من الهولوكوست لان الوثائق والخبراء اثبتوا انها دولة المشروع الصهيوني الذي وجد في النازية »قوة مخصية« على حد تعبير بن غوريون (كما جاء في كتاب »المليون السابع«) ولذلك تحالف معها منذ اوائل الثلاثينات وحتى اوائل الاربعينات ليؤمن هجرة الرجال والرساميل، وعندما استوفى هذا الاتفاق المعروف باسم الهافارا (اي الترانسفير) دوره، عاد اسحق شامير يعرض عليها عام 1942 تحالفا جديدا فيما عرف بوثيقة انقرة.
اسرائيل ليست دولة الناجين من النازية لان المنظمة الصهيونية لم تكن تحرص على نجاة اليهود الذين لا يصلحون للهجرة، بل كانت تحرص على صلاحية ما تسميه »المادة البشرية القادمة من المانيا« وعلى الا تمنح تأشيرات سفر لاي مكان غير فلسطين.
والنتيجة ان من تأهل وجاء شكل »الرواد« الاحياء الذين غذوا قيام الدولة، ومن مات في المعتقل شكل مادة السطورة التي غذى الموتى فيها الاحياء ودولتهم.
هكذا نشأ هذا الكيان اذ التهم احياؤه موتاه، فكيف لا يلتهمنا ان استطاع؟
ولكن اليس علينا ونحن نرى تحول خطابه قسرا الى مصطلح »الصمود« ان نمضي اكثر ليس فقط في الواجب الملح المتمثل في دعم جميع القدرات العربية للانتفاضة التي تشكل السد الذي يحمي العرب كلهم، بل وفي السعي الحثيث الى استنهاض موقف توحيدي يبدأ من دول الطوق وينتقل الى طوق الطجوق، بل وفي العمل الدؤوب البحثي والاعلامي لفضح وزعزعة كل ما يشكل جزءا من اعمدة البنيان المعادي.