صديقة تتقدم بمشروع لاحدى المؤسسات الدولية، في اطار خطة مطروحة من قبل المؤسسة.
المشروع مستوف لجميع الشروط المطلوبة وبامتياز لكن السيدة المسؤولة الاجنبية تعترض لان العرض لا يؤشر الى اضطهاد الفتيات!
اجل طالما ان فتيات الاسر موضوع المشروع يضطررن الى العمل في عمر مبكر ـ حتى ولو في الاعمال المنزلية التي تبدو شاقة ـ فان ذلك يشكل، بنظر السيدة، اضطهادا لا بد من التركيز عليه.
صاحبة المشروع تدافع عن وجهة نظرها بان الاضطهاد لا يقتصر على الفتيات، ففي الوقت الذي تضطر فيه هذه الطفلة »بمقاييس المنظمات الدولية« الى العمل الشاق في المنزل او الحقل او اي مكان آخر، يضطر فيه اخوها الطفل ايضا الى عمل اكثر شقاء مع والده في الخارج، وذلك بسبب فقر الاسرة وعجز الاب بمفرده عن تلبية حاجاتها.
المضطهد اذن هو الاسرة بكاملها، والسبب، الفقر، فقر الاسرة، وفقر البلاد التي لا تستطيع ان تؤمن الضمانات الاجتماعية الكافية للمواطنين، خاصة الاطفال.
والمسؤول هو في المحصلة النهائية، هذا النظام الدولي، نظام السوق، القائم على نهب القوي لثروات الضعيف »الغني« الفقير، وعلى نشر الاستهلاك بسلوكياته وقيمه، حتى في المجتمعات العاجزة عن مجاراته. والنتيجة تحول الناس الى آلات صماء بائسة تدور بجنون لا انساني للحاق بركب هذه الحياة التي لا تصر على فرضها علينا الدول الصناعية الكبرى فقط، لا ولا الشركات العملاقة التي تحكم العالم، بل ايضا المؤسسات الاقتصادية الدولية التي يفترض انها انشئت لتحل مشاكل الدول النامية، فاذا بها تخطط لدمارها.
وتأتي الطامة الكبرى عندما تصبح المؤسسات الدولية الثقافية والتربوية اداة لهذه الخطة ولفرضها. فمنذ متى وقلب القوى المهيمنة على العالم يتفطر علينا نساء واطفالا؟
حتى عندما نصر على ان نقول لهم بحق اننا كنساء عربيات، لسنا اسوأ حالا من اية نساء على هذه الكرة الارضية حتى في دولهم، وان سوء وضعنا لا ينفصل عن سوء الحال الاجتماعي العام الناتج عن سوء الوضع السياسي، ومنه وجود الحربة الاسرائيلية في خاصرتنا، فانهم يرفضون ان يسمعوا.
مفروض علينا كي نجد اذنا وترحيبا وتمويلا ان نحمل ذنب حصان ودلو دهان اسود، ونرسم صورة شيطانية للمرأة العربية.
الهدف، ابعد من مجرد التشويه الذي طالما شكونا منه. انه تخطيط تفكيكي يجد ارضا خصبة لدى قطاع كبير من النساء المتعطشات الى وضع او شهرة او مال »واذا كان ثمة مضطهدات فهن لسن منهن«، ويؤدي بالتالي الى خلق تيار، وخلق قيادات او رموز اجتماعية وثقافية وربما سياسية مرتبطة بالجهات الاجنبية الداعمة والممولة، غير مسيسة في غالبيتها او مرتدة في بعضها وسهلة الانزلاق والاستجابة، كل ذلك في ثوب من الحداثة والعصرنة.. و»الثورية الاجتماعية«.
لكن ثمة ملاحظتان جوهريتان في هذا السياق.
الاولى تتمثل في عدم الخلط بين هذه التيارات، فقاعات الصابون المتكاثفة التي تحجب الرؤية، وتحول الى مزالق خطيرة، وبين التحرر الحقيقي المندرج بشجاعة وحكمة ضمن سياقه الاجتماعي والوطني، ذاك الذي ناضل لأجله الرائدات والرواد، وتمارسه ملايين النساء دون جعجعة، ونجومية نفعية.
والثانية هي ان تخلف البعض الذي ينعكس بشكل قاتل في موضوع المرأة، هو الذي يمهد الطريق لهؤلاء، ويجعل التربة المتشققة عطشا، مستعدة لامتصاص اية مياه حتى ولو كانت مياها عادمة.