الجدار!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 30-04-2001

الصورة! اعلام قائم بذاته، اعلام ربما تجاوز الكلمة في تأثيره السيكولوجي الفوري، وربما التصق بالذاكرة اكثر..

مقال لمحللة اسرائيلية ومعه صورة تحتل ثلث الصفحة، تتوسطها. في الاسفل اطفال يتحلقون دائرة، يرقصون، بملابس زاهية انيقة نظيفة وملونة، وام او مربية ترعى وتصفق.. جو من الاسرية و الاطمئنان والامان، على عشب اخضر نضر..

امان.. لأن ما يحيط بالمشهد كله، سور خشبي من جذوع اشجار طويلة ضخمة ومتناسقة تماما.. ومتراصة تماما..

كل منها يتخذ شكل قلم رصاص، مبري الرأس. فوق اعلى السور جنود موزعون على امتداده، كاوبوي، انيق الملبس بدوره، ويستلون بنادقهم في يقظة حماية..

هل اكتمل المشهد؟

لا فخارج السور سهل تنتشر فيه اكواخ الهنود الحمر البدائية.. هكذا اكتملت المعادلة.

المهاجرون البيض، حملة الحضارة المضطرون الى امتشاق السلاح لحماية امن اسرهم من هجمات الهنود الحمر البدائيين..

تتأمل الصورة.. فتجد ما هو ابعد من القول، اننا لسنا في هذه الارض، ولن نكون هنودا حمرا.. وان الاسرائيليين لن يكونوا الولايات المتحدة.. رغم تشابه وحشية الابادة.

ان القلم، لم يحمله الينا غاز ابيض يعتمر قلنسوة يهودية بدلا من قبعة الكاوبوي، بل ولد على اصابعنا، قبل ان تتعلم هذه البشرية استعمال اصابعها الا لأكل او لقتل.. واننا حملناه، من سومر الى المأمون، ومن كنعان الى الاندلس.

تجد ما هو ابعد من القول ان هؤلاء المغتصبون ليسوا مجرد اسر بريئة الاطفال والامهات، يضطر رجالها للتحول الى مسلحين وقتلة للحماية والدفاع عن النفس.. بل انهم مشروع ثكنة استيطانية ابادية، لا تأتمر الا برب الجنود، ولا تعتبر قتل الآخر وابادته وتشريده امرا لا انسانيا..

لن نقول.. كلاما كثيرا عن تشابه المشروعين، وعن تفوق اجرامية الصهيوني منهما.

ما يقال، تقوله الصورة نفسها التي يحتل السور بحد ذاته ثلثيها، ويفوق عدد الجنود المسلحين الذين يعتلونه، عدد الاطفال اللاعبين داخله..

بحيث يبدو هؤلاء نقاطا صغيرة اسفله.. دمى لا ينفذ اليها لا هواء ولا ضوء، ولا ترى من حولها الا السور والسماء..

فهل الفيتو شيء اسوأ من هذا؟

هؤلاء الذين كانوا يشكون من غيتوهات نفسية ارتضوها لانفسهم في بلاد العالم، التي كان يفترض بهم ان يكونوا مواطنين عاديين فيها، جاؤونا، ليقيموا مكان عيشنا المنفتح بلا حدود، غيتو آخر، نفسيا وماديا، مدنيا وعسكريا، فلماذا جاؤوا؟

اي حلم تقدمه هذه الدولة المشوهة، لهذا التجمع المشوه؟

وهل يمكن لهؤلاء الذين يولدون ويكبرون داخل »جدار الفولاذ« المبني من كراهية وتعال وعنصرية، كما من حديد ونار، ان يكونوا اسوياء؟

وهل يمكن للسور الخشبي او الفولاذي ان يزال، طالما ظل الاطفال اسفله يتربون على انهم ابناء الله، المختارين، المميزين، وان الآخرين اغيار، عجماوات لا ترقى.. اذن فالسيطرة عليها حلال، بل واجب.. وان اقتضى الامر ابادتها.

المفارقة ان الصورة نفسها، التي اريد بها استدرار العطف والتبرير، لم تستطع وهي تعطي اكواخ الهنود الحمر »نحن« مساحة ما هو خارج السور، الا وان تجعل من هذه المساحة، فضاء ممتدا بدون حدود، تتصل آفاقه بالغيم والسماء.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون