سذاجة سياسية او تعام مقصود ان يقال ان عملية حزب الله الاخيرة هي التي سببت قصف اسرائيل للرادارات السورية في البقاع اللبناني.
واذا كان الضغط على سوريا لم يتوقف يوما، عبر عدة قنوات، خاصة القناة اللبنانية، حيث كان من بين الاهداف المتعددة التي اشعلت حرب لبنان طيلة عشرين عاما، خلق تهديد ونزيف في الخاصرة السورية، هدف لا يقل عن اخراج المقاومة الفلسطينية من اخر نقطة تماس مادي مع ارض فلسطين، وتحطيم آخر جدار صلب في وجه طروحات التسوية، او عن تدمير المشروع الاجتماعي السياسي الثقافي اللبناني، الذي لا يراد لتعدديته وانفتاحه، وديمقراطيته، ان تشكل نموذجا يتحدى احاديات المنطقة، وفي مقدمتها الاحادية العرقية الدينية الاسرائيلية.
فان هذا الضغط يعلو زبده ويهبط بحسب الظروف الاقليمية، والمواقف السورية منها.
لذلك لم يكن ممكنا ان تمر ثلاثة من هذه، في المرحلة الاخيرة، دون تحرك اسرائيلي، مدعوم بالجحافل اليهودية العالمية والامريكية الاوروبية.
اول هذه الآثام، الدعم الحاسم الذي قدمته سوريا لحزب الله في لبنان، والعلاقة التي تواصلت بعد التحرير، متلازمة مع العلاقة الخاصة بين الحزب والانتفاضة الفلسطينية.
وثانيها هو التقارب السوري العراقي، ولم يجف بعد حبر تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بان الرئيس السوري الشاب يلامس الخط الاحمر، وهو يسعى الى هذا التقارب، ويهدد النظام الاقليمي كله، وبان اسرائيل لا تستطيع ان تقف مكتوفة اليدين امام هذا الخطر.
هذا الموقف الذي يجعل من تقارب اكبر كيانين في سوريا الطبيعية منطقة حظر سياسي مطبق، هو ما شكل احد ثوابت السياسة الاستعمارية والاسرائيلية، باستمرار، وفي سياقه نذكر مقالا كتبه رئيس اركان الجيش الاسرائيلي بعد حرب الخليج، يقول فيه: »منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية، لم اعرف النوم الهادىء ليلة واحدة، لانني كنت كلما اغلقت عيني احلم بالجيش العراقي، نازلا من مرتفعات الجولان مع السوريين«.
واذا كان هذا المسؤول العسكري قد عبر عن قلق عسكري، فان موقف الاقتصاديين والسياسيين لا يقل قلقا وهلعا.. وبالتالي، اصرارا على كسر اليد الممدودة. اصرار يلتقي فيه شارون الجنرال العسكري، مع شيمون بيريز صاحب الشرق اوسطية، الذي شهدناه في الاسبوع الماضي يتصبب عرقا، مستلا جميع اسلحته، وآخرها المالية الدولية، ليقطع الماء عن القلعتين المحاصرتين من المنبع التركي.
اما الاثم الثالث، والذي يدرك خطورته القصوى من يعرف الغرب جيدا، فهو حديث الرئيس الاسد، وبعده عدة دوائر بحثية وديبلوماسية في سوريا عن مساواة الصهيونية بالعنصرية. حديث جعلته وسائل الاعلام الاجنبية موضع حملة استثنائية هلعة، بعد قمة عمان الاخيرة.
والسبب ان هذا الطرح يزلزل الاساس الفكري السيكولوجي للهيمنة الصهيونية على الغرب، اي الدعم المعنوي اللامحدود.
حيث تلعب الدعاية اليهودية بشكل حاذق على حساسية هذا الغرب، ازاء العنصرية العرقية، بعد ويلات الحربين العالميتين »خاصة الثانية«، بل وتجعل هذه الدعاية كل من يحاول فضح ممارساتها واكاذيبها، في خانة النازيين العنصريين واللاساميين، جاعلة من قمعه واجبا انسانيا، ينسحب بالتالي على دعم اليهود هناك، حتى في لوبيهاتهم وميليشياتهم، ودعم الصهيونية، كحركة تحرر وطني، ودعم اسرائيل كدولة هذه الحركة، واحة الديمقراطية والتقدم والحداثة في محيط من الوحل. »الم يقل بيريز ذلك في دافوس علنا؟«.
من هنا فان الخطورة المطلقة هنا تكمن في السؤال:
كيف يمكن للصهيونية واسرائيل ان تستمرا في اللعبة اذا ما فتح الباب امام فضح التوأمة الايديولوجية بين الصهيونية والنازية، وسائر النظريات العرقية العنصرية، بل وتبيان امتياز الصهيونية عليها جميعا، ومن ثم تجاوز البعد الايديولوجي الى فضح الوقائع التاريخية التي تثبت التعاون الكلي بين الصهيونية والنازية والفاشية؟
الا تستحق كل هذه الخطوط الحمر المكهربة التي لامسها بشار الاسد ضربة جوية، رسالة، كان من الممكن ان تكون اقوى لولا مأزق اسرائيل المتمثل في عدم توسيع الجبهة مع الانتفاضة؟