اوراق اعتماد

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 11-04-2001

لماذا يعيش الشعراء في الغرب؟

سؤال طرحه خلال ندوة في اطار اسبوع الفرانكفونية الذي استضافته امانة عمان اول امس، الشاعر اللبناني المقيم في باريس صلاح استيتية.

كان المتوقع ان يرد الشاعر المذكور بالقول ان باريس اجتذبته بتراثها الثقافي بعمقها الانساني، بتعدديتها، بحركتها الحيوية، انه يسعى الى تفاعل وتلاقح يثري انسانين وحضارتين، ثم الحضارة الانسانية.

لكنه فاجأنا بتعداد اربعة اسباب الحقها بخامس.

اولا، لانهم يمكن ان يترجموا »بضم الياء« بفضل وجود مترجمين ووجود دور نشر تهتم بنشر الشعر من مثل سندباد وآكت سور.

ولماذا الترجمة؟ لانه لا يمكن الوصول الى الجوائز خاصة جائزة نوبل بدون الترجمة، فجماعة ستوكهولم لا يقرأون العربية.. ولو لم يترجم محفوظ لما وصلهم.

ثانيا: امكانية ان يقولوا في باريس ما لا يتمكنون من قوله في بلدانهم التي تحكمها انظمة ديكتاتورية.

ثالثا: وجود مواضيع حداثوية تفتقر اليها اللغة العربية التي ظلت مجمدة في قدسيتها واذا كان ثمة تطوير للغة العربية نحو الحداثة قد حصل في بيروت مع مجلة شعر، وفي العراق مع مجموعة تموز وفي مصر فان امام العربية الكثير مما عليها ان تفعله في هذا السياق.

في حين ان اللغة الفرنسية تسمح بمفاهيم ووسائل وابعاد ثقافية، انسانية، فلسفية، على العربية ان تحصلها.

رابعا: الجمهور، فليس في العالم العربي جمهور متلق لذهنية مركبة، لان جمهوره محصور داخل دائرة معقدة، ضيقة، دينية، فكرية، ثقافية محدودة.

واخيرا هناك سبب اقتصادي، وهو امكانية شراء الكتب، فلقد دلت احصائيات اليونسكو على ان معدل قراءة المواطن العربي بالنسبة الى المواطن الفرنسي هو نصف صفحة الى كتاب«.

اسباب استيتيه هذه تقتضي ببساطة عدة ملاحظات.

اولها ان هؤلاء الشعرآء المهاجرين يتعاملون مع باريس، ولغتها كمجرد جسر للجوائز لا كساحة اثراء متبادل، وفي هذا موقف ميركانتيلي نفعي لا علاقة له لا بالثقافة ولا بالحضارة، وانتهازية معيبة لا علاقة لها بدور المثقف وموقع الشاعر في شعبه وحركة بلاده، انتهازية مزدوجة الاتجاه: تجاه الساحة المضيفة، والساحة العربية التي يعودون اليها ليمارسوا تعاليا ما، بعد اكتساب اعتراف اجنبي، يدق ابواب عقد النقص لدى الكثيرين.

ثانيا: ما الذي يتمكن هؤلاء ان يقولوه في باريس، ولا يتمكنون في بلدانهم؟

صحيح ان ثمة تابوهات يصطدم بها المبدع احيانا في مجتمعاتنا، وان ثمة انظمة شموية تحدد احيانا سقوفنا، لكن ثمة سقف، بل جدار، لا بد لهؤلاء المستغربين ان يركعوا امامه، وينصاعوا له في الغرب، الا وهو سقف رضى اللوبيهات اليهودية الثقافية، الذي يفعل هؤلاء كل ما يطلب منهم لاسترضائه، ومعه سقف السياق الغربي المطلوب كله. الم يسأل صلاح استيتية لماذا حاكمت باريس محمود درويش على »عابرون في كلام عابر«؟

لكل محظوراته، ولا فضل لهؤلاء الذين يستأسدون في الحديث عن الديكتاتوريات والممنوعات العربية لأن ذلك يرضي اسيادهم، ثم ينصاعون ملتفين منافقين لديكتاتورية اعدائهم.

اما الحديث عن تجمد اللغة العربية في قدسيتها، فهو اختيارثيمة تحك على جرب الغرب، رغم علم ابن بيروت الغربية ان هذا التجمد تطور ويتطور على يد المجددين، الذين لا يفقه معظهم اللغة الفرنسية وان افضل له ان يعمل معهم بدلا من استبدالها بقدسية اخرى، هي قدسية اسرائيل وقدسية الهولوكوست.

وليسأل نفسه هل يستطيع ان يقول كلمة واحدة تناقض قانون فابيوس ـ غايسو الذي يشكل قانون قمع بامتياز، لا تعرف مثله اية دولة عربية ديكتاتورية؟

وليسمح لنا بان نسأل داعية الحريات كيف يفسر توقيعه على بيان يطالب »الجهات ذات الصلاحية ـ في بلد عربي ـ بالتدخل لقمع ومنع مؤتمر ثقافي فكري«؟

ان لم يكن التفسير الوحيد هو الاستجابة لدعوة رئيس المجلس اليهودي العالمي التي اطلقت الحملة لطلب ذلك المنع. مما استحق شكر سفير اسرائيل وهو شهادة لستيتية لدى دوائر محددة في عاصمة النور، واوروبا.

هذه الخطيئة هي ما حاول السفير المتقاعد شاعرا ان يبررها، عند حديثه عن »الذهنية المركبة« التي يفتقر اليها الجمهور العربي »المحصور داخل دائرة معقدة«.

وهو كلام غير جديد فلقد قاله جميع الذين لم يجدوا الا لتبرير فضيحة بيانهم عندما فاجأهم سفير اسرائيل بشكره، وانهمرت عليهم مقالات الثناء في الصحف العبرية.

اية عقلية مركبة هذه التي يطلب الينا ان نتقبل بها استعداء الحكومات على المثقفين، مما يشكل سابقة يحتج بها كل من اراد منع ندوة او مؤتمر؟

أية ذهنية مركبة تلك التي تجعلنا نتقبل تكرارا ببغائيا، لما تسوقه الدعاية الصهيونية ضد علماء باحثين، دون ان نكون قد قرأنا اي كتاب لهم، او ناقشناهم، او اطلعنا حتى على أوراق العمل التي سيقدمونها في مؤتمر يحمل عنوان »الصهيونية«؟

انها الذهنية التي يراد لها ان تجعل خدمة المخططات الصهيونية، حداثة وانفتاحا وموقفا انسانيا، وبالكذب والتناقض.

واخيرا تظل حجة شراء الكتب والقراءة، وهي حجة مضحكة، لأن معدل القراءة العالي، لا ينسحب على اعمال شعراء عرب، فالفرنسيون لا يقرأون شعراءنا الا نادرا، وانا كمترجمة اعرف جيدا عدد النسخ التي تطبع من الترجمات.

هل يعتمد درويش وادونيس اللذان توكأ عليهما استيتية في حديثه على المشتري الفرنسي، على القارىء الفرنسي؟

اسئلة يعرف المتحدث اجاباتها، لكنه انما فعل ـ كسفير سابق ـ ان قدم في ندوة الفرانكوفونية اوراق اعتماده.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون