هل يعنينا اعتقال ميلوزوفيتش؟ كمجرد حدث دولي يثير الشهية الصحفية، ام كدرس قدري، يصلح للتمثل؟
لو كان شعب يوغوسلافيا الذي اسقطه هو الذي قرر اعتقاله، لكان الامر تأكيد انتصار ارادة الشعوب.. لو كانت الحكومة اليوغوسلافية، هي التي اتخذت قرارا حرا باعتقاله، لكان الامر تثبيتا لقدر الحساب كواجب حكومي.
لو كانت محكمة العدل الدولية المصرة على اعتقاله، مفتوحة العينين على كفتين متوازنتين، في النظر الى الامور الدولية، طليقة اليدين في التعامل معها، لكان الامر مثار اطمئنان لمرجع ما، ضامن للعدالة في هذا العالم.
ولكان لنا نحن ضحايا المجازر بامتياز استمراري، املا في ان نرى يوما شارون مثلا مقيد اليدين امام كارلا بونتي.
لكننا ندرك ان مجرد التفكير بهذا الحلم امر مستحيل، لان »لليهود الحق في محاكمة الجميع ولا يحق لاحد محاكمتهم«، كما يؤكد »بطل صبرا وشاتيلا« مدعوما »ببطل قانا« وغيرهما من عناوين المجازر التي تتكرر يوميا، بدون اسماء واضحة العناوين، على ارض فلسطين.
معروف ان الرئيس العربي الجديد اعتبر مسألة تسليم ميلوزوفيتش امرا يعني السيادة، كما انه امر يعني الوفاق الوطني داخل بلاده، وللسببين رفضه.. لكن ضغوط الاطلسي، وتهديدات واشنطن بوقف المساعدات، اضطرته الى مهاجمة منزل سلفه واعتقاله في اليوم الاخير من المهلة التي اعطاه اياها السيد الاميركي، الذي لم تكن يوغوسلافيا الا معركته الاوروبية.
المساعدات، والقروض ودول مدمرة او محتاجة او غارقة بالديون تتوسل تسهيل خدمة الدين لا وفاءه.. وقبضة حديدية خفية تمسك عبر ذلك بكل يد تريد التلويح بحرية او سيادة، قبضة تضغط، وعلى المفصل الذي يوجع.. وتترك لنا كلنا ان نتساءل بمرارة، عن مدى سيادة مدين او محتاج مساعدات، خاصة عندما يجد نفسه امام تهديد بالعقوبات.
لكننا ندرك ايضا ان تهديد العقوبات سكين ذات حدين، وان الدول التي تجد نفسها امام التهديدات، هي ايضا الدول المفاتيح سواء في الاستراتيجيات الجيوسياسية، او في المدى الاقتصادي.
فكما تحتاج واشنطن يوغوسلافيا في اوروبا، وفي مواجهة روسيا، كذلك تحتاج مصر سياسيا، والعراق اقتصاديا، والفلسطينيين كرقم صعب، هو الضحية، الذي يمتلك وحده، ووحده فقط مفتاح مشروعية الوجود الاخر، الذي يدرك في اعماقه حقيقة لا مشروعيته، والذي يشكل اولوية واساس السياسة الاميركية.
هذه السياسة التي باتت تقوم اما على الارهاب الدولي، واما على الرشوة الدولية، تحمل اكياس الخمسمئة، تمنحها لمن يمتثل، وتحجبها عمن يتمرد.. معطية نفسها حق الثواب والعقاب.. محددة ثمن الرئىس اليوغوسلافي بخمسين مليونا تتضمن على البيعة كرامة بلاد وسيادتها، وتحول حكومتها الى شرطة بيدها..
سلوك ان استمر تضاءل ثمن الرؤساء، وتضاءلت قيمة الرشوة.