لان يوم الفلسطينيين في هذه المواجهة المرة بعام، يمكننا تصوّر ان ارييل شارون قد استوحى غابرييل غارسيا ماركيز، في روايته الشهيرة »مئة يوم من العزلة«.
لكن اثارة فكرة العزلة لا تعني فقط عزل الفلسطينيين بتقطيع اوصالهم عبر ما يقترب من مئة حاجز على مساحة الضفة وغزة، وانما تعني بالمقابل ايضا السعي لفك بوادر عزلة ما تهدد اسرائيل على الساحة الدولية.
سعي يتلازم فيه تحسين صورة »الدولة«، بتحسين صورة الرئيس الارهابي، الذي لم تكن صبرا وشاتيلا جريمته الوحيدة، وان تكن قد بدت فضيحته الكبرى.
في هذا السياق يأتي خطابه السياسي خلال زيارته للولايات المتحدة، وربما يكون قد حقق فيه نجاحا بهذا الخصوص.
لكن الخطاب لا يقترن فعليا بالاعمال، بل انه قد يكون قناعا وستارا لتشدد اكثر في عمليات القمع والعزل داخل فلسطين، ولتوجه اكثر خطورة نحو العالم العربي، خاصة سوريا ولبنان والعراق.
ضغط واتهامات واثارة مشاكل بالنسبة للاولى، محاولات تفجير في الثاني لا تبعد عن كونها عمليات ضغط عليه وعليها، واعاقة اية حلحلة في الحصار المفروض على الثالث، ولا يحتاج المرء لان يكون محللا سياسيا كي يكتشف ظواهر ذلك كله.
واذا كان لا بد لفهم طبيعة اداء زعيم ما، من فهم تكوينه السيكولوجي فاننا مع شارون، امام رجل تربى في اجواء العمليات العسكرية الخاصة، تلك التي تقوم اساسا على الانقاض وتجسد المثل الشعبي القائل: »الضربة لمن سبق«، كما تقوم على البطش السريع والساحق، كي لا تترك للخصم فرصة الرد او تجميع قواه، او النفاذ من كوة تردد او تلكؤ.
وهو لا يستطيع ان يخرج من جلده هذا في عمله السياسي.
اما اذا كان البعض يرى في هذا المسلك تهورا وعيبا يزيد من احتمالات الخطأ، فان الوجه الاخر من اللعبة مؤمن بوجود شيمون بيريز، المحنك، النافذ، الهادىء التكتيكي، وبطل التمويه وقفازات المخمل والحرير، التي تجعله مقبولا، ليس فقط لدى العالم، بل ولدى بعض العرب انفسهم.
وهناك اولا، لا اخيرا، الرأي العام، الذي اعلن بتصويته لشارون، حقيقة خياره ووجهه.
فماذا يعني في ظل جميع هذه المعطيات القول باعطاء فرصة لشارون وحكومته؟ وهل المطلوب من القمة القادمة بحث الفرصة، ام الاتفاق على استباق الانقضاض »وقد بدأ« وكيفية التصدي له.
صحيح انه ليس بوسعها ان تقرر حربا عسكرية، ولا احد يطلب منها ذلك، لكن للحروب وجوها اخرى كثيرة: سياسية، اعلامية، اقتصادية وثقافية.. وذلك كله متيسر ومطلوب.
وهو لا يتطلب منهم الا الشجاعة والوعي ووضوح الرؤية والتصور ازاء العدو، ازاء الاخرين، ازاء حاضر مر نعيشه، ولا نقول ازاء المستقبل، فتلك صيغة التسويف والتأجيل الى مجهول، هربا من جمر حاضر اكل اللحم ووصل العظم.