مطلوب من مراسلي وسائل الاعلام الغربية ان يكونوا اليوم الاثنين في مواقعهم. و”مواقعهم”كما حدد لي بعضهم هي، كراتشي، بيشاور، العراق، لبنان، مصر، والجزائر. فماذا يعني ذلك؟
هل يعني اننا سننام هذه الليلة لنصحو غداً – أو لنصحو في منتصف الليل، كما في 15 كانون 1990م؟
لكن السؤال حول التوقيت أمر محدود الاهمية: أولاً لأن فرق ساعات او ايام لن يغير شيئاً في الضربات القادمة.
وثانياً وذاك هو الاهم، لان البداية لن تكون هذه المرة ايذاناً بنهاية محددة، وانما اعلان اطلاق حملة طويلة لن يكون بمقدور احد التكهن لا بامتداداتها الزمنية ولا بامتداداتها المكانية ولا بنتائجها، ولانها كذلك، فان اسلوب عملها هذه المرة مختلف كلياً، وبهذا المعنى يصبح من الدقة القول بأنها قد بدأت فعلاً، لكن اعلان الجانب العسكري المباشر فيها هو الذي سنشهده خلال الايام القادمة.
لذا ينزاح السؤال حول التوقيت، في سلم الاهمية الى ما وراء السؤال حول الاهداف.
واذا كان ما يقوله الزملاء الاجانب عن المواقع المحددة لهم، هو اشارة اولية الى هذه الاهداف. فان المراد الحقيقي في كل هدف يتجاوز تحديد مدينة او دولة.
انه امر يبدأ بالجغرافيا السياسية، وينتقل الى جغرافيا الثروات الطبيعية، وكما تدور العواصف الرملية دواماتها المجنونة، حول محور، أو محاور محددة، فان عواصف السياسة والحروب والاقتصاد في هذه الكرة الشاسعة لا يمكن ان تدور الا ويكون وضعنا نحن في هذه المنطقة من الجغرافيا والتاريخ محوراً أساسيا، ان لم يكن المحور.
صحيح ان تجاوز الهدف المحدد بمدينة التواجد المشار اليه، يعني نفط بحر قزوين، ويعني القوة النووية الباكستانية (اول دولة اسلامية تمتلك سلاحا نوويا)، ويعني القوة الايرانية التي كانت اسرائيل تطالب بلسان بنيامين نتنياهو بضربها قبل نهاية الالفية الثانية، ويعني الصين، التي ستجد الامبراطورية الاميركية على حدودها، ومثلها روسيا، التي لن تنفعها جائزة ترضية متمثلة في الشيشان، وتعني نهاية اية ارهاصات تحول مضاد لاميركا في تركيا ومياهها، وفي اندونيسيا وماليزيا، وثرواتهما، وتعني تثبيت التحالف الهندي الاميركي، والفلبيني الاميركي، والكوري الاميركي.
لكنها ومن هنا نبدأ: ستعني تثبيت تحالف هندي – تركي – اسرائيلي، حول عنق العالم العربي وايران.
ستعني، كما حصل في حرب الخليج، ازاحة اسرائيل من واجهة المشهد لتغطية التحالف العربي مع اميركا، ولكن ازاحة كل اعداء اسرائيل من الساحة باسم مكافحة الارهاب. ستقول الأم للولد المدلل: قف جانباً وانا ادفع جميع الاخطار عنك وأحقق جميع امنياتك.
ولكن هل يعني هذا المشهد التشاؤمي نهاية العالم. وتحديداً نهاية قضيتنا، هل يعني استسلام العالم لغضب أميركا، استسلامنا نحن لغرض اسرائيل.
ربما يكون من التعقل ان ينحني المرء الى ان تمر العاصفة، والعاصفة هذه المرة أسد جريح، يحتاج الى ما يشفي غليله. لكن هذا الوضع بحد ذاته، يمنح الاذكياء فرصة لخدمة قضاياهم. لزرع ما يمكن لهم ان يحصدوه اوان الحصاد.
بل ان التعاطف مع المصاب الأميركي يمكن ان يستغل مدخلا للتذكير المستمر بجراحنا. سألتني الاذاعة السويسرية: كيف كانت ردة فعلكم على الحادث؟
فأجبت: مزيج من الصدمة والمرارة، الصدمة، لاننا نحن اكثر شعب في العالم عانى من موت الابرياء، طوال خمسين عاما. لم يبق بيننا واحد، من فلسطين الى العراق ولبنان وسائر الدول العربية الا وجرب حرقة خسارة قريب أو صديق، ولذلك استطعنا ان نشعر بما أحس به المواطنون الاميركيون.
اما المرارة، فلأن ردة الفعل العالمية جعلتنا نتساءل بمرارة: لماذا لم يثر موتنا أحداً طوال خمسين عاماً، لماذا لم يعامل ابرياؤنا كأبرياء؟ هل هناك انسان اغلى من انسان؟ هل صحيح اننا عدنا الى رعايا الامبراطورية والبرابرة؟ هل كانت القيم التي تعلمناها عن ثوراتكم، قيم الحرية والعدالة والمساواة، قيم منكم لكم لا تشمل في ضمائركم كل بني البشر؟
هذا كلام اعلام، صحيح… ولكن ثمة كلاماً آخر في السياسة وللسياسيين.
كلام يحتاج لدعمه، حملة مكثفة حول الارهاب الاسرائيلي.
فلماذا لا نجد لها أثراً؟