المأزق

شؤون دولية، 09-02-2001

قد لا تصلح كلمة لوصف وضع العالم هذه الايام، اكثر من كلمة المأزق.

الكل في مأزق، بدءا من الولايات المتحدة، الى عدوها المعلن: اسامة بن لادن او الطالبان، مرورا بالدول الاسيوية والاوروبية كلها.

واذا كان مأزق الطالبان وبن لادن واضحا، فان مآزق الاخرين لا تقل عنه.

الدول الاسيوية ترحب بالانضمام للتحالف الدولي ضد الارهاب، لانه سيمنحها فرصة القضاء على حركات المعارضة الداخلية فيها، بدءا من الروس وشيشانها، الى الصين واتراكها في كزينجيانغ »المعروفين بالاوغور« واوزبكستان ومعارضتها، والهند وكشميرييها المسلمين الموالين لباكستان، وطاجاكيستان واسلامييها، وذلك ما ينسحب على بعض الدول العربية ايضا.

ولكن المأزق بالنسبة لهؤلاء ان الترحيب المذكور، لا يماثله ترحيب بالجود الامريكي العسكري على حدود كل منها، ولا بالهيمنة الامريكية السياسية على اسيا الوسطى، بعد معظم اسيا العربية.

كذلك فان الدول الاوروبية تجد نفسها في مأزق اصعب، فلا هي بقادرة على عدم الانضمام الى التحالف الدولي، ولا هي بقادرة على ابتلاع ان يجعل ذلك التحالف حلم الاستقلالية الاوروبية عن امريكا سرابا مضى. كما انها لا تقدر ابدا على تجاهل المخاطر الذي يشكلها هذا الاصطفاف على توازنها الداخلي، وهي التي تضم كل منها ملايين المسلمين، او علي توازنها الخارجي وهي المتصلة مباشرة بالقارة الاوروبية والمنتشرة بغالبيتها حول المتوسط، ثم حول قزوين.

لكن المأزق الكبير يظل مأزق الدول العربية، فهي، الاسلامية بامتياز، وهي الحليفة بمعظمها للولايات المتحدة، وهي من جهة اخرى دول حكومات لا تعبر عن مشاعر شعوبها، عن طموحاتها وتمنياتها خاصة فيما يتعلق بفلسطين قضيتها المركزية.

فاسرائيل، هي اول من اتخذ من احداث نيويورك وواشنطن مدخلا لالصاق الارهاب بالمسلمين والعرب، ووسيلة لاستصدار اطلاق يد جديد في تصفية الفلسطينيين، بل والانتقام من حزب الله وسوريا والعراق.

واذا كان الزميل جورج حداد قد اورد في مقاله لاول امس مجموعة من دعاوى الكتاب والصحفيين اليهود التي تصر على ان ارهاب العرب والمسلمين موجه ضد الغرب كغرب بحد ذاته، كقيم وحضارة، وليس بسبب وجود اسرائيل، فان هذه النظرية هي نفسها التي يطرحها المسؤولون والمنظرون الاسرائيليون منذ بداية ركوبهم لموجة ما يسمى بالارهاب، ومنهم بنيامين نتنياهو الذي افرد لهذه النظرية فصلا خاصا في كتابه: استئصال الارهاب، فعمل على ان يبرهن على ان الارهاب »طبيعة متأصلة في نفسية العربي والمسلم منذ كان« وعلى انه موجه لاسرائيل بسبب كونها تمثل القيم الغربية وليس الى الغرب بسبب اسرائيل«.

اما الانتقام من حزب الله وسوريا والعراق، فاكثر من مقال ودعوة اليه منها مقال حملته امس انترناشيونال هيرالد تريبيون بعنوان »امض وراء الطالبان وفي طريقك مر ببغداد« بتوقيع شارل كروتامر، وفي المقال نفسه مرور ايضا بسوريا التي يصفها بانها »ثمرة دانية القطاف«.

وليس فلسطين بحاجة الى مقالات او كلام ليتضح التآمر عليها.

فاي مأزق يعيشه العرب اذن؟ اينضمون الى تحالف ضدهم؟

وماذا تقول الحكومات لشعوبها؟ اهي قادرة على توظيف حاجة الولايات المتحدة لها، لاستصدار موقف حقيقي من فلسطين، وابعاد شبح الانتقام عن بغداد ودمشق وبيروت؟

وهنا تكتسي كلمة حقيقي كل حقيقيتها. فعندما حصل التحالف السابق ضد العراق، برر بعض العرب، او برر لهم »بضم الباء« انضمامهم اليه، بان ثمنه سيكون الضغط على اسرائيل لحل قضية فلسطين، وكان مهرجان مدريد، وخلوات اوسلو، واذ الضغط الحقيقي على العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون، واذ المهرجان كرنفال بطله الاقنعة الكاذبة التي لا تخفي تحتها الا وجه الذئب الاسرائيلي، ووجه التواطؤ الامريكي، واذ الثمن الوحيد لارتفاع الاقنعة دماء الفلسطينيين وارضهم.

فهل خدع العرب، ام خدعوا انفسهم، ام خدع بعضهم بعضهم الآخر؟

وهل المأزق الحالي كامن في ان تكرار الخدعة هذه المرة صعب وخطير؟

واخيرا… مأزق امريكا..

فواشنطن لا تستطيع الا ان تقدم ضحية لاله الغضب الهائج، والا ارتد عليها.

وواشنطن، تجد من الذكاء استغلال الخسارة لتحقيق ربح بديل، والا كانت تضع قدمها على منزلق الانهيار.

لكن المأزق، ان كل الظروف القائمة والمذكورة لا تصب ابدا في صالح المصالح الامريكية على المدى البعيد..

فهل نكون نحن اذكياء ـ كما لم نكن ـ ونحصل شيئا من حاجة بلاد تمثال الحرية لتبرير انتقامها؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون