عندما انتصرت روما على قرطاجة، امر الامبراطور بحرقها ..
وعندما وقف القائد سيبون ليشرف على تنفيذ الحكم اصطحب معه مؤرخ الامبراطورية الاول بيلوب ليسجل الحدث، لكن القائد لم يلبث ان انتحى جانبا وبكى.. وعندما سأله بيلوب مستغربا عن سبب دمعته، اجاب: ابكي لتصور وقفة مماثلة قد يقفها يوما قائد آخر امام روما .
هل ثمة قائد اميركي من الذين اشرفوا على قصف فيتنام او بغداد او كوسوفو، قد ذرف دمعة تنبؤية بقصف برجي منهاتن؟
العلاقة السببية المباشرة غير قائمة، لكن علاقة سببية غير مباشرة قائمة وواضحة.
انه قهر الملايين، تجمع في صور بضعة ممن لا نعرف انتماءهم، وكان هو ما فجر منهاتن، لا الطائرات .
واليوم.. وبدلا من استيعاب الدرس، تنتقل القوة العظمى الى رحلات قهر جديدة، وطوفان موت جديد .
غير ان ما يستحق التوقف اكثر، ربما لجدته، وربما لخطورته داخليا وخارجيا، هو ان طغيان القوة لم يعد مقتصرا على الدول »المارقة« وعلى تلك المتهمة بمصادرة الحريات وحقوق الانسان، بل انه وجه ناره هذه المرة الى هدف جديد، جديد، هو تمثال الحرية، الذي ظل طويلا رمز الولايات المتحدة .
واذا كان الارهابيون قد حددوا اهدافهم برموز القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية الاميركية ، فان الادارة الاميركية نفسها، قد اضافت الى هذه الاهداف، آخر جديدا، هو ذلك التمثال الذي يمثل رمز القوة الروحية الاميركية.
اهي فعلا التضحية بالحرية على مذبح الامن؟ ام هو استغلال سيىء لحالة الرعب التي رمي فيها المواطن الاميركي؟
واذا كان الجواب كامنا في السؤال الثاني، فمن هو الذي استغل؟
وهل يقود التسلسل المنطقي لهذا السؤال الاخير الى سؤال آخر، هو: هل يمكن ان تكون لمن استغل، يد في خلق الاجواء المناسبة لهذا الاستغلال؟
يد، سواء في الحدث الرئيسي المتمثل في كارثة 11 ايلول ، ام في الحالة التالية المتمثلة في مسلسل الرعب الذي يحمل اسم الجمرة الخبيثة؟
اسئلة، لا توجد الاجابة عنها الا في كومة القش المتراكمة منذ اواخر الستينات. حيث شهدت هذه المرحلة، وتحديدا مرحلة ما بعد حرب حزيران، تبلور ورسوخ التحالف الاميركي – الاسرائيلي، وهيمنة اللوبي اليهودي على الولايات المتحدة الاميركية، وهما واقعان يتهددهما النشاط المقابل في الداخل والخارج، في الخارج المنظمات الفلسطينية، وما حولها من تعاطف، كان يساريا قبل سقوط الاتحاد السوفييتي وتحول الى اسلامي في المرحلة التالية. وفي الداخل نشاط القوى الاميركية المناهضة لهيمنة اليهود على المجتمع الاميركي، بما في ذلك هذه القوى من نماذج متعددة، وموزعة من اقصى التطرف، الى وسط الاعتدال والوعي ومع الانتخابات الرئاسية الاخيرة برزت قوة جديدة تضاف الى المعادلة، هي نمو القوة العربية الاسلامية .
ازاء هذا الواقع الممتد – ما يزيد على اربعين عاما، كان النشاط الاسرائيلي – اليهودي، يتركز بشكل مدروس وحثيث على تصوير كل ما هو معاد له كارهاب، وعلى وضع اسرائيل في صف واحد مع اميركا والغرب في مواجهة هذا الارهاب، وعلى الدعوة الى الحد من الحريات في الولايات المتحدة بدعوى انه لا يمكن مكافحة الارهاب مع الحريات، وقد بلغ هذا النشاط اشد مراتب نجاحه في الثمانينات، خاصة مع تعيين موشيه ارينز سفيرا لاسرائيل لدى واشنطن ومعه بنيامين نتنياهو .
وقد تحدث هذا الاخير بشكل مطول ومفصل في كتابه »امن وسلام« عن الخطة التي اتبعها ارينز وهو للعمل على خطين: دفع المسؤولين الاميركيين الى تبني الموقف الاسرائيلي من مكافحة الارهاب، وتنظيم خطة اعلامية سياسية امنية مدروسة لاقناع الشعب الاميركي بقبول التخلي عن حرياته . كذلك تباهى نتنياهو بالنتائج الايجابية التي اسماها »نجاحات الثمانينات« .
فهل وصلت هذه النجاحات الان قمتها، مع القوانين الجديدة؟
ولكن.. الا يمثل وصولها هذا عملية ارهابية جديدة ضد تمثال الحرية؟