«لا يسيل الرين ماء ورد دائما».
هذا التعبير الذي استعمله كاتب فرنسي لنعت العلاقة بين فرنسا والمانيا، هو في الواقع تعبير ملطف دائما لوصف هذه العلاقة الخاصة جدا بين الجارتين الاوروبيتين.
علاقة أسيل عليها من الحبر والدماء ما يفوق مياه الرين والسين معا.
وتميزت ـ كما يحللها جان بيير شفينمان مثلا ـ بطابع نفسي يتجاذبها بين التبعية والعداء، بحيث يكون الثاني احيانا هروبا من الاولى.
واذا كانت المرحلة الحديثة، مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين، وما بعد التوجه الاوروبي، قد شهدت طرحا جديدا للعلاقة، يقوم على التقارب والتعاون، سواء بدافع الافادة من دروس الماضي المرة، او بدافع الاشتراك في هم التوازن مع القوة الامريكية، والتخلص من التبعية لها، فان هذه المرحلة، قد شهدت ايضا نموا سريعا وضخما للحجم الالماني وسط المجموعة الاوروبية نفسها، وهذا ما حاولت فرنسا، ان تضبطه من ماستريخت الى نيس الاخيرة.
لكن نتائج نيس انتهت بمكاسب اساسية لالمانيا.
سواء منها ما يعود الى قانون العدد حيث يتجاوز عدد سكانها، عدد سكان القوتين الاخريين الرئيسيتين بعشرين مليون نسمة، او ما يعود الى تفوقها الاقتصادي وتطورها السياسي والديبلوماسي.
ولم يكن ينقصها الا اقرار دخول دول شرق اوروبا الى المجموعة، لتتخلص من كون حدودها هي الحدود الشرقية للمجموعة الاوروبية، فتستفيد من علاقاتها الخاصة مع هذا الشرق ونفوذها فيه، خاصة وانها عرفت كيف تستفيد بذكاء من اي فرصة تسنح لتركيز هذه العلاقات من مثل تطوعها للدفاع عن بولونيا والاحتجاج على مساواة تمثيلها باسبانيا رغم تفوقها عليها ديموغرافيا.
الديموغرافيا، الاقتصاد، والعودة السياسية والديبلوماسية الهادئة، والتي يبدو انها تتميز بحسن استغلال الفرص، ضمن خط استراتيجية واضحة.
وفي هذه النقطة الاخيرة، لا بد لنا نحن هنا، ان ننتبه الى زيارة شرودر الاخيرة الى المنطقة، محاولة احياء التعاون مع سوريا، واستغلال اسر حزب الله للعسكريين الاسرائيليين، لمحاولة لعب دور، يشكل مدخلا ما الى منطقة تنافس امريكي ـ اوروبي واوروبي ـ اوروبي ايضا، دون ان ننسى محاولات سابقة، منها ما فشل ومنها ما وضع خميرة للقادم.
ولكن.. اذا كان العملاق الالماني قادما وان ببطء، واذا كان قدومه دوليا سيأتي بعباءة اوروبية، قد تجعله اقوى، فان السؤال الذي يفرض نفسه علينا، في هذه المنطقة، هو مدى نفوذ اللوبي اليهودي في المانيا، ومدى تأثير العلاقات الالمانية ـ الاسرائيلية على مصالحنا نحن، اي مدى نمو هذه العلاقات على حساب علاقات برلين مع عواصمنا، ومن جهة اخرى تأثر هذه العلاقات بالاطار الاقليمي، خاصة التركي والايراني.. وهذا ما يحتاج الى مقال تفصيلي آخر.