لماذا جاء هؤلاء الينا، واضطرونا الى قتلهم كي نعيش؟
سؤال الصديق الحائر لم يخطر يوما ببالي، اعترف..
واذا كان لا بد له ان يخطر، فليس امام مقتل كاهانا الابن.
لاسباب كثيرة:
اولها ان سؤالا آخر كان يشغلني وانا اتابع محطات التلفزيون العالمية: هذه العاصمة تحتفل بطن من الالعاب النارية في سمائها.. تلك تحتفل بمليون شخص يرقصون ويهزجون في موقع بوابة مندلبوم، الذي كان سكين التقسيم فاصبح رمز التوحيد، تلك تحتفل باروع مهرجان موسيقي، والاخرى تتلألأ جمالا، على نسق رأيته بنفسي في العام الماضي، وجاء صديق يغيظني بانها احلى هذا العام.. واخرى.. واخرى..
الا نحن، ننام على جنازة، ونصحو على قصف، ونتدفق قهرا ضمن حصار، ولا نتمكن من الاقتراب، لا من حدود التقسيم والتجزئة، ولا من حدود التنمية والحياة الكريمة، لا ولا من حدود الحرية والحقوق التي تؤسس لحياة كل الشعوب..
ولا نتمكن من الاقتراب من حدود الفرح الا وامسك بحبال القلب احساس خفي بالذنب.. يتحول الى احساس اوضح بالعجز عن ممارسته.
والسؤال: لماذا نحن؟
لماذا جاءنا هؤلاء، سموم افرزتها كل الاجساد، واصرت على ان تكومها في جسدنا.. بدلا من دمائنا.. واذ ترفضها الشرايين نجدنا مضطرين لأن نقتل، والا اندثرنا؟..
لماذا يتآمر الشرق والغرب، على استئصالنا، وان تشبثنا بروحنا فرد الموت عباءته، ووضعنا امام قدرين: اما الذل، واما الجمر؟. قدران ولا خيار.. اذ ليس في الذل نجاة، ولا بقاء ولا حياة الا بالجمر..
لماذا يكون علينا ان نسأل.. فالقضية هنا ليست جدلا اوسطيا، تعمقه الاسئلة، وانما معادلة بسيطة، نكون او لا نكون.. والجواب جواب الشرط، لا يتحقق الا بتحقيق فعله.
فمع الانتفاضة الاولى، كان مئير كاهانا، يرسخ تطبيق مفهوم الاختيار والغوييم، بالقول ان العرب صراصير، وانهم فيروسات، ان لم نقتلها اصابتنا، وقتلتنا..
وقتل مئير كاهانا، بيد عربي، وتوقفت الانتفاضة الاولى…
لكن: ظل كتاب كاهانا التأسيسي، انجيل كاخ: »عليهم ان يرحلوا« وخطبه التي تقول اما الترحيل بالرضى او بالقوة واما القتل«.
ظل التنظيم الذي اسسه بنيامين كاهانا الى جانب كاخ باسم »كاهانا حي«..
وظلت روح الانتفاضة الاولى حية، دون صياغة ذلك في اسم.. لأن الصياغة الحقيقية كانت في ضمير الناس الذين يرفضون ان يرحلوا، ويرفضون ان يقيموا في الذل والاستسلام، وجاءت الانتفاضة الثانية.. وقتل كاهانا الابن.. بينما تتبلور المعركة الفعلية بين اهل فلسطين والمستوطنين..
بعد موت كاهانا الأب وزعت في الولايات المتحدة واوروبا لعبة اطفال الكترونية، تقوم على تحريك الطفل لازرار معركة بين العرب واليهود، وكلما تمكن من قتل عربي كسب علامة، الى ان يجمع عددا معينا من العلامات، فيظهر له مئير كاهانا مبتسما، واعدا اياه بان يصبح وزير دفاع اسرائيل.
لكن المبرمج نسي ان في الجانب الآخر اطفالا، لا يتدربون على القتل بواسطة لعبة الكترونية، وبدوافع عرقية عنصرية، وانما يمارسونه تلقائيا دفاعا عن النفس.. النفس التي تعني الذات الفردية، كما تعني ذاتا الفية هائلة مخزونة في كل فرد.. ومضمخة بارث من الشهادة والحرية.. ذاتا في كل منها مسيح وخالد وانسان عادي بسيط يريد ان يعيش كما الناس الآخرين.
بالصورتين تستكمل اللعبة لعبة الموت والحياة… اللعبة التي ستظل تدور حول »عليهم ان يرحلوا« و»علينا ان نبقى«.
»عليهم ان يرحلوا« عنوان كتاب لمئير كاهانا