الاعلام والسيكولوجيا.. المعارك والتعبئة النفسية.. الصورة وعصر الاعلام الصورة…
مفاهيم، لا تسكن برج النظرية وانما تحفر عميقا لتشكيل الحالة السيكولوجية الجمعية، ردات الفعل، بناء المواقف.
المحطات الفضائية العربية، لعبت في بداية الانتفاضة دورا مهما في تعبئة الناس، في اثارة جو معركة تحرير واستقلال.. جو من المعنويات العالية في الداخل، ينتقل كالتيار الكهربائي، او كالاواني المستطرقة الى الخارج القومي، ويستدرج تفاعل الخارج الاسلامي، واهتمام الخارج الدولي.
ولكن:
اذا ما اتفقنا على انه عصر الاعلام الصورة، اولا، وعلى ان نصف الحرب معنويات، ونصف السياسة معنويات، ثانيا، وعلى ان هؤلاء المقاومين في فلسطين انما يتجاوزون بتفوق معنوياتهم، التفوق العسكري لعدوهم. ثالثا..
فان ثمة سؤالا يتبادر الى الذهن: اين اختفت صورة الشاب البهي المتوثب نظره ووضعية ونقيفته في يده التي احتلت غلاف مجلة لوبوان الفرنسية مثلا؟
اين اختفت صورة الشاب الآخر، بالجينز والحذاء الرياضي، والحطة، يرتفع نصف متر عن الارض، قافزا، بل طائرا محلقا، لقصف دبابة بحجر؟
وفي مقابلها صورة جندي اسرائيلي يطل برأسه وبندقيته للمحة، يعود بعدها فيختبىء داخل مصفحته او وراء جدار؟
والاسئلة تقود الى آخر مهم، في السياق ذاته:
منذ ايام، ونشرات الاخبار العربية، لا تغطي خبر الانتفاضة، الا بصور تشييع الجنازات، وبتفصيل مثير للاستغراب، يبدأ من لحظة السقوط وخروج الجنازات، وقبلات الوداع، وترافق المسيرة حتى.. نهاية الخبر..
المبالغة، التباطؤ، واستدرار الحزن، بهذه الطريقة، لا تؤدي في السياق السيكولوجي الى عملية تعبئ معنوية بل ان التكرار المتعمد لذلك كل ساعة انما هو طرق متعمد على وتر الاحباط، وتغذية للروح الانهزامية عند ضعفاء النفوس، عند من هم نتاج الرخاوة الاستهلاكية الاستسلامية، عند اصحاب السؤال المائع:
ثلاثمئة قتيل؟ وبعد؟
هذه الانتفاضة التي لا تنتج الا القتلى والموت؟
اصحاب هذا السؤال اربعة:
ـ مائعو الاستهلاك من الذين وضعوا كراماتهم وانتماءهم في ثقب قرش، حتى ولو كان متسولا »بفتح السين« من الغرب او من اسرائيل.
المنتفعون من التآمر ومن ركوب التيارات، سياسيين كانوا ام اعلاميين ام تجارا ممن عرفوا بمهارة كيف يصمتون لتمر العاصفة، او كيف يلبسون لها لباسها، ويرفعون صوتهم فوق صوتها.
ـ المحبطون فعلا او الجاهزون للاحباط عند كل هزة.
ـ واخيرا اولئك الذين يعرفون حقيقة المسرحية، وحقيقة اللاعبين، ويعرفون بمرارة تجربة الاستخفاف بالالام والدماء، وربما استعمالها كمجرد بند في مساومة، لا توصل الى الثمن الحقيقي…
لكن…
هناك الناس، الاجيال، المستمرون فوق كل المساومات، فوق كل الالتفافات، فوق كل الافتعالات الناس الذين اثبتوا ببساطة المقولة الشعبية: »لا يصح الا الصحيح«..
وبما انه لا يصح الا الصحيح، فالصحيح ما تعرفه جيدا عن تصميم المقاومين، عن بطولاتهم، عن انتصار الارادة الشعبية، ارادة الحياة العظمى، على جميع الطارئات، مهما علت سماكتها. الصحيح هو تجوهر قوة صاحب الحق، وجبن مدعيه..
فلماذا لا يرينا الاعلام مثلا صور المستوطنين الهاربين، والمستوطنات التي غدت شبه فارغة؟
لماذا لا يرينا الاعلام مقابل شفتي اأب تقبلان وجه شهيد، شفتي ام تقول لنا في احدى مستشفيات عمان: اعطيت فلسطين اثنين: شهيدا وجريحا، وما يزال عندي لها اثنان.. ان لم يكفها فرحمي ما يزال خصبا؟.
لماذا لا يرينا الاعلام تكاتف الناس، وتضامنهم وراء الحالة المتوهجة لديهم؟
لماذا؟
ولماذا؟
لماذا تغير المشهد المدروس مع اقتراب العودة للمفاوضات؟
واخيرا…
لماذا تتلقى وسائل اعلامنا الصور من رويتر و أ.ف.ب. وغاما وغيرها.
هل هناك من يجهل، من وراء هذه الوكالات، من يخطط لها، وباية دقة تعمل؟
نقول هذا ونحن نتحدث عن الاعلام الموجه لنا، للعرب… اما الآخر الموجه للاجنبي، فحديث آخر.