كنا نقول بالتحرير من البحر الى النهر، غير معترفين الا بحقنا التاريخي القومي، مهما تآمرت عليه الارادات.
كنا نقول برفض قرار التقسيم، لأن احدا لا يملك ان يعطي لجهة ملك جهة ثالثة.
وادركتنا الهزيمة، هزيمة الانظمة لا هزيمة الشعوب، فرحنا نقول بتطبيق قرارات هذه الجهة الثالثة… 242 و338… المبنية على قرار التقسيم…
فجأة، وبعد خمس وعشرين سنة من نضال الناس، من الدماء والعرق، والايمان، والامل، والاصرار… ومن خمس وعشرين سنة من التثبيط والتيئيس، من مطاردة الوجه الاخر، الاول، من الخمس والعشرين، من رفع الناس الى اعلى قمة الشعار والتحدي، والقوة الموهومة، والوعد الحلمي، ليرموا من هناك، من الاعلى، مرة واحدة، فتجيء الصدمة اقسى، ومفقدة للصواب والتوازن.
من خمس وعشرين سنة من تحجيم النار، اطفائها هنا، تفحيمها هناك، ترميدها هنالك، لحصرها وعزلها وقطع الاوكسجين عنها، كما يفعل امهر رجال الاطفاء..
من خمس وعشرين سنة من الجهد الدؤوب، في ترسيخ نظرية جابوتنسكي التأسيسية: قتل الامل.. بوسائل متعددة من اهمها حداء اليا وحدنا، وبلاغة تحليل موازين القوى، اقليميا ودوليا. وارساء قيم وسلوكيات مجتمع استهلاكي بديلا لمجتمع المقاومة والحرب.. بعد حلول صحارى الاطراف، ومدنها، مقرا بديلا لخطوط المواجهة والتماس.
بعد… وبعد…
ادركتنا هزيمة اخرى، فتدافعنا الى مدريد، لنقبل بما كنا نرفضه، ولنبتكر معادلة عبقرية: الارض مقابل السلام..
ارض من؟ ولمن؟
والارض الاخرى؟ الم يعد اسمها ارضا، مذ اصبح اسمها اسرائيل؟..
تراجع لا بد منه، بعد قفزة الجزائر.. اي امام؟ اي وراء؟!
لم يقل احد يومها ان ،242 مبني على قرار التقسيم.. مما يعني بحسب القانون الدولي »لا الحقوق« ان هناك اراضي، محتلة غير تلك التي احتلت عام ،1967 منها الجليل، ومنها الرملة وغيرهما.. وبذلك يكون اسمها، بحسب القانون الدولي، ومصطلحاتنا الجديدة، ارض »من تلك التي مقابل السلام« لا اسرائيل طالبة يد السلام.
لم نقل..
لكن اوسلو جاءت لتقول العكس، اذ تتخلى عن كل ذلك متجاوزة، حتى مجلس الامن الدولي، وقراراته.. وهل يضيف الكرم العربي ببضع مدن وقرى؟
المهم ان الارض مقابل السلام…
وتدهوت المعادلات..
السلام مقابل الامن..
الحكم الذاتي مقابل السلام
المفاوضات بحد ذاتها مقابل السلام
القدس مقابل السلام…
الدولة، الدولة المعلقة كجنائن بابل، مقابل السلام..
غابت الارض..
وظلت المشكلة الاخرى: الناس..
اذن: القدس مقابل اللاجئين..
لا حي من القدس، او شريحة افقية من حي، مقابل الارض والسلام..
والآن: المسجد الاقصى مقابل اللاجئين…
مبنى، ايا تكن قداسته مقابل ستة ملايين انسان، وارضهم
ليست الاماكن ايا تكن احب الى قلب الله سبحانه من الانسان، فهو ابن الله وصورته وهيكله«، قال الاب قيس صادق في مؤتمر القدس الاخير…
لكن الصفقة ليست جديدة، حتى في وسائل الاعلام، فقبل اكثر من سنة نشرت صحيفة لوموند ديبلوماتيك تقريرا طويلا مدعما بالخرائط حول التآمر على موضوع اللاجئين.
وقد اثيرت الضجة المبالغة حول القدس دون سائر القضايا، انتبه اكثر المتابعين، ان ذلك يخفي مقايضة ما، بشأن اللاجئين وبسائر الاراضي. وذاك ما نبه اليه فيصل الحسيني نفسه.
مبنى، او حي مقابل ثمانية اعشار فلسطين وستة ملايين من اهلها!!
لكن..
الا يقرأ المهندسون المنكبون على طاولات الغرف المسدلة الستائر، التاريخ، والواقع الهادر في الخارج؟
الم يروا ان خمسة وعشرين وقبلها خمسة وعشرون وقبلها ثلاثة قرون من المطارق، لم تنجح الا في تفجير انتفاضتين وبينهما انتصار مقاومة وتحرير؟
لم يؤد الا الى بندقية تتقدم جنديا هاربا من حجر في يد تتقدم يافعا لم يبلغ الخامسة والعشرين؟