الخطاب! والاصدقاء! والرأي العام!
الخطاب خطاب ايهودا باراك امام حلقة من المسؤولين الاسرائيليين، الذي تحدثنا عن نقطة فيه امس.. وكم من نقاط لا بد من تناولها تحليلا. وتدقيقا! ومنها واحدة تتعلق بخطاب آخر هو الخطاب الذي يتوجه به السياسيون الى الغرب، الى الرأي العام والمسؤولين يه.
بجملتين فقط عرف باراك ان يضرب بمهارة وترا سيكولوجيا جمعيا فاعلا لدى الانسان الغربي، خاصة الانسان البسيط العادي.
»الاوروبيون يتميزون بذاكرة تاريخية، انهم يذكرون ان الهزيمة التي لحقت بهم في حطين، في اواخر القرن الثاني عشر، اوصلت الاسلام الى مداخل فيينا في اواخر القرن السابع عشر«.
ليس باراك اليهوي، بالطبع قلقا لمصير المسيحية او الاسلام، ولا لمصير الغرب او الشرق، غير انه يعرف، وعرف دائما كيف يلعب على وتر الصراع التاريخي بين العرب والغرب.
والمشكلة هنا ليست في دهاء الخطاب اليهودي، ومعرفته الدقيقة للاسلوب الذي يتعدى آذان الغربيين الى قلوبهم وعقولهم.
بل ان المشكلة هي في بعض خطابنا نحن، في الا سلوب، في المصطلح، وفي الذهنية الشمولية التي تسود تعاملنا مع كل شيء.
فالموقف الذي يسهل طريق باراك واعلامه الموجه، هي المقولة الشمولية التي نرددها وكأنها جزء من تراثنا: »الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا«.
نعم جاء الصليبيون الينا وهزموا.. وذهبنا نحن الى الاندلس وخرجنا.. وصلنا فيينا، وبواتييه، ووصلوا الجسد الذي قطعوه على مشرحة سايكس بيكو..
ولكن: الشرق والغرب التقيا، مرارا، وكلما التقيا كونا الحضارة الانسانية، وقفزا بها من جديد. كما يقول المفكر العربي محمد جابر الانصاري.
هذا كلام فكر نظري.. يقال.. لا، فحتى على الساحة التطبيقية السياسية، هناك تاريخ من التشابك، والمفترقات. وهناك حاضر، يمد اصبعه نحونا متهما: نحن فعلا مظلومون، نحن فعلا ضحية، ولكن العمل السياسي ليس جمعية خيرية، ولا تندرج ضمنه رعاية المعوقين.. انه عالم، لا يعترف الا بثلاث: المصالح، القوة، ومهارة الاداء.
فأي اداء هذا الذي يطبع تعاملنا مع الغرب؟
اما موقف منبهر، دوني، تابع، وآخر صيحاته »لله يا محسنين«.
واما موقف عدائي رافض جاهل للآخر جملة وتفصيلا..
والامر ببساطة ان ليس هناك غرب بالجملة.. لنا في الغرب اعداء، ولنا من يسيء فهمنا، اما لأنه يريد ذلك، واما لانه يجهلنا، ولنا فيه اصدقاء، بل ومناضلون يضحون بما لا يضحي به اكثرنا لنصرة قضايا عادلة، وتحديدا لمقاومة اللوبيهات الصهيونية.
فكيف نتعامل مع كل من هؤلاء؟
بيدنا اسلحة كثيرة نستطيع بها اضعاف اعدائنا داخل بلدانهم..
وبيدنا معطيات كثيرة نستطيع بها ان نقدم وجهنا وحقيقتنا، وقضايانا للذين يجهلوننا.
وبيدنا امكانات كثيرة لدعم اصدقائنا افرادا وتيارات..
ولكننا للأسف نخطىء في كل ذلك، فاعداؤنا اول من يستفيد منا.
ووجهنا لا نقدمه الا بملامح وخطاب ولغة ليست معرفتها افضل من جهلها.
واصدقاؤنا…
المصيبة اننا لا نعرفهم..
اننا نمد يدنا غالبا لليد الخطأ… وان الحقيقيين هم آخر ما في حسابنا.