ما يؤرقهم!

سوريا، 05-12-2000

“الرئيس السوري لا يدرك العواقب الخطيرة لسياسته”.

هذا ما يقوله المسؤول الامني الاسرائيلي.. والسياسة المقصودة بذلك هي على حد تعبيره: »تعزيز علاقاته مع العراق مما يزيد من مخاطر وقوع مواجهة اقليمية، مخاطر لم تكن بهذه القوة منذ حرب الخليج قبل عشر سنوات«.

امام تصريح كهذا لا بد من العودة مرات الى الوراء، واستشراف القادم مرات ايضا.

الى ما قبل العشر سنوات التي يحددها »هذا المصدر الامني«، ورئيس الاركان الاسرائيلي يكتب مقالا في صحيفة ها آرتس، في بداية التسعينات، وتحديدا مع بداية ازمة الخليج يقول فيه انه لم يعرف النوم منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية، لانه كلما حاول الغفوة، راوده كابوس الدبابات العراقية وهي تنحدر من الجولان الى اسرائيل.

قد يقول البعض ان هذا الكلام جاء ضمن حملة التهويل التي هيأت لحرب الخليج، لكن الجميع يدرك ان هذه الحرب لم تكن لتحصل لولا اسرائيل والنفط.

وقد يقول آخر ان الخلافات السورية العراقية كانت كفيلة بجعل الكلام عن هذا »الكابوس« مجرد تهويل من امر مستحيل الوقوع، لكن المسؤولين الاسرائيليين يعرفون ان استغلال الآتي واللعب عليه، لا يلغيان النظرة التاريخية البعيدة المدى، التي تقول ان يوما آخر لا بد ان يأتي.. ينتصر فيه العقل والضمير والمسؤولية التاريخية، والواقع الطبيعي. لذلك فان الصراع الحقيقي (بالنسبة لاصحاب الخطط المئوية – لا الخمسية) هو ضد هذا الآتي.. ومنعه مسبقا، وبأي ثمن، خاصة لأن رسوخه يتناسب طرديا مع رغبات الشعب في القطرين ومع الواقع القومي الطبيعي.

لذا فان خمسين سنة الى الوراء تبرهن لنا على ان ما من »خطر« يستنفر كل لواقط القلق والهلع لدى اسرائيل، ولدى اليهودية العالمية، ولدى الغرب الاوروبي والاميركي، كخطر التقارب بين العراق وسوريا.

ففيه نسف لسايكس – بيكو، وجهود فرنسا وبريطانيا الممتدة من 1840 الى ،1943 وفيه تقويض ليقين وعد بلفور، وفيه »اذكاء للنزاع الاقليمي« كما تسميه اسرائيل.

ولنتوقف قليلا عند هذه العبارة: فهل ان العدوان والاحتلال والجريمة، نزاع اقليمي؟

ولماذا يكون التقارب بين دولتين جارتين اذكاء للنزاع… اولا يتصدر هدف التعاون وعلاقات حسن الجوار، اهداف الامم المتحدة؟

لماذا عوقب العراق بتهمة الاساءة الى التقارب والجوار مع الكويت، وتطلب الآن معاقبته على التقارب مع سوريا؟!

بل ان سوريا هي التي تهدد بالحرب وبقصف جيشها: لانها قريبة من لبنان وتتقارب مع العراق؟

الرأس المطلوب هو رأس أي توجه توحيدي (ولا اقول وحدوي)، ورأس اي توجه يبقي على حقوق او كرامات.

والتهديد موجه الآن الى سوريا لأن العراق »أخذ حصته« والدور الآن على دمشق.

هذا ما يقوله لنا استشراف القادم: دمشق هي المحطة الباقية في »دول الطوق«، هي الخطوة التالية في الخطوات الكيسنجرية.

للوهلة الاولى، قد يبدو الامر مثيرا للخوف. ولكن التدقيق يقود الى ان الخطوات السابقة كلها لم تنجح، ولم تنته، كما يحاول الميئسون تصويرها..

فالخطوة المصرية في فراغ، تراوح مكانها، والخطوة الفلسطينية تحولت الى مارش عسكري، وايقاع يقلب كل الايقاعات ويخرس معزوفة الرجوع الاخير.. والخطوة اللبنانية عرجاء اسرائيليا، تدق الارض لبنانيا، رغم الطابور الخامس القميء.. والخطوة الاردنية، ها هي تتحول الى تقليص ديبلوماسي ورفض شعبي، وحتى اجراء برلماني..

لم تمت الأمة في أي مكان، حتى وإن توعكت.. لم تنطفىء جذوتها بل اثبتت قدرتها على نفض الرماد مهما تكثف.

انه اوان الشد، والليل يحاول هذه المرة ان يلف دمشق، وعبرها الأمة.. والعين واليد على فلسطين.. فهل يقرأ العرب الماضي، ليقرأوا الآتي؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون