تأتأة!

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 26-11-2000

التأتأة.. هل تصدقون ان هناك من يعمل على تنظيم يوم عالمي للتأتأة؟

اجل، هذا ما تقوله المذيعة التي تبحث عن خبر طريف مع قهوة الصباح.. وقد نجحت في جعل آلاف المستمعين يبتسمون مثلي، ويفكرون، باسقاطات لا اول لها ولا اخر.. يستذكرون من يعرفون من المتأتئين، ويتوقفون: لقد كان ونستون تشرشل من هؤلاء؟

آه، من لنا بقائد يتأتىء كتشرشل ونبيعه بجنيه استرليني واحد كل خطب قادتنا وساستنا المفوهين!!

يقول بعض الاخصائيين ان للتأتأة اسبابا، منها قصور في عضلات اللسان نفسها، ومنها قصور في قطاع الدماغ الذي يعطي اشارات وأوامر الكلام، ومنها حالة اخرى غريبة »تحدث غالبا للاطفال« وهي ان تطور الدماغ وحركة الفكرة المعبر عنها بالكلام تتجاوز تطور القدرات العضلية على الكلام، وعندها كثيرا ما يلجأ الطفل الى يديه، بل وكل جسده للتعبير.

وبما ان هذه الحالة الاخيرة مستبعدة عن مجالنا السياسي »اللهم الا في مجال القمع« وذلك بدليل ان نتاج ادائنا السياسي – منذ نهاية العصر العباسي وحتى نهاية العصر العابس التي لا نعرف موعدها.. »باستثناء اشراقات قليلة« – لا يعكس دماغا متطورا ولا حركية فعلية استثنائية. وبما ان الاحتمال الاول ملغى ايضا بدليل تفوق غريب في قدرات عضلات اللسان يصل حد الانعتاق من اوامر الدماغ وتجاوزها.. فان ما يظل امامنا هو الاحتمال الوسط »وخير الامور الوسط«.. ولكن هل نجرؤ على اتهام ساستنا بقصور الدماغ؟

ليس فقط من باب الاحترام والتأدب، وانما من باب المنطق: فهل هو دماغ قاصر ذاك الذي يبدع في الوصول الى السلطة، والحفاظ عليها، كما لا تستطيع كل عبقريات احفاد تشرشل، وجيرانهم.

ذاك الذي يبرع في الحفاظ على خطوط تقسيم رسمها وزير تشرشل وزميل اخر له على جسد الوطن الممدد على طاولة الحرب العالمية الثانية، والحفاظ بذلك على عشرات الالقاب الرئاسية ومئات الالقاب المعاليية والسيادية والسعادية »التي لا علاقة لها بعلو الوطن وسيادته وسعادة ابنائه«.

ذاك الذي ينجح في قلب جميع المفاهيم واقناع جزء كبير من الناس بارتداء اثوابهم بالمقلوب، وليمت الكواكبي كل يوم مئة مرة في قبره.

لكن..

ما لنا وتشرشل..

ما لنا وديغول

بل ما لنا وهوشي منه »الذي عاد الى ذاكرتنا هذه الايام، بفضل تزامن وقوف كلينتون تحت مجسمه ووقوف شعب الانتفاضة فوق جثة ادعاء موتهم«.

ما لنا وكل قادة الحروب وحركات التحرر.. فالناس الناس لا يشغلهم هم التأتأة، ولا هم البلاغة.. الناس الناس هم الذين لم يتأتئوا في جنوب لبنان، وها هم يتقنون بلاغة الفعل في فلسطين..

فعل ان لم تنج ترجمته السياسية الحالية من التأتأة، تحول الى حبة حنطة تسقط في الارض وتعطي تمارا كثيرة.. كما قال قبل الفي عام النبي الفلسطيني الذي علم الانسانية درس الفداء المحب.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون