مرة اخرى، ترسب اوروبا في الامتحان، داخل الحلبة المتوسطية، وفي القاعة الفرنسية..
مرة اخرى ترسب فرنسا اولا وسائر المتوسط ثانيا، في امتحان اللغة العربية، والتاريخ العربي الاسلامي، وهما مادتان اساسيتان في مقرر التاريخ والجغرافيا، والسياسة والاقتصاد، والثقافة في منهاج المتوسط.
واذ نقول فرنسا اولا، فلأنها صاحبة الفكرة والرؤية، يوم كان يحكمها رجل بحجمها، وحجم حلم الاستقلالية والانتقال من علاقة الاستعمار بعلاقة المدى الجيو-بوليتيكي الثقافي، والتفاعل ضمنه، في رؤية عبر عنها الجنرال الكبير بوضوح عندما ركز على تلاقي القيم المشتركة بين حضارات تتميز بألفيتها، وبالحس الانساني الذي يشكل روحها، فيما يتناقض تماما مع حداثة اميركا، المنقطعة الجذور والعمق، وحس المنفعة الذي تقوم عليه حضارتها.
لكن الحلم انتهى الى ما وصفه جان بيير شفينمان بالارتماء في ذيل التنورة الاميركية، او ما عبر عنه روجيه غارودي بقوله ان مفهوم اليمين واليسار قد سقطا في فرنسا طالما ان كليهما تابع خاضع للولايات المتحدة.
وحقيقة الامر ان هذا الارتماء، وهذه التبعية لم يكونا الا نتيجة للارتماء الاسوأ في قبضة اللوبيّات اليهودية، واذا كانت المفارقة ان اول حديث عن لوبي يهودي قد صدر عن ديغول، فان اول بروز فعلي له جاء في معركة فاليري جيسكار ديستان وميتران، وان هنري هاجدنبرغ الرجل، البولوني، الذي كلف رسميا من قبل اسرائيل، بتجذير الطائفة اليهودية الفرنسية، وتحويلها الى قوة ضغط سياسي »لوبي« عام ،1980 باشراف مباشر من آفي بريمور، الملحق الثقافي الاسرائيلي، الذي عين بعد نجاح المهمة سفيرا لدى المجموعة الاوروبية، الرجل الذي نجح فيما كلف به، يشغل اليوم منصب رئىس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، في دلالات واضحة على نفوذ اللوبي وسيطرة المتطرفين المرتبطين باسرائيل.
لكن فرنسا، ليست كلها هذه الحفنة من التجار والمصرفيين والميليشيات.. والنبلاء فيها كثر.. وعنيدون، والفرصة التي كانت تلوح امامها الان لاستعادة دور فاعل يخدم مصالحها، ويخدم اصدقاءها الحقيقيين هي فرصة لم تتوفر لها يوما، وسط تخبط الولايات المتحدة: داخليا، وفشلها خارجيا، خاصة على صعيد قضية الشرق الاوسط التي راهنت عليها اولا.. ووسط انفضاح اسرائيل، وازمتها الداخلية والخارجية، اذ ان الفضيحة ليست فقط فضيحة اجرامها، بل انكشاف واقع ان الشعب الذي تعيش على ارضه موجود، لم يمت، لم يستسلم، ومستعد بشكل نادر للتضحية حتى.. الكرامة.
فأين فرنسا من فرصتها هذه؟ لقد افشلتها بيدها، بموقفها الجبان بالنسبة لجزء من قيادتها، والمتواطىء بالنسبة لجزء اخر لا يتنكر فقط لاخلاقيات مبادىء الثورة الفرنسية، بل ويتنكر لفرنسا نفسها، لان اولويته، مصلحة اسرائيل.
اما الدول المتوسطية الاخرى، فواقعها يقول لنا بسخرية: ولماذا العتب على فرنسا، فماذا تفعل الاوروبية الاخرى منها.. او لم تكن اليونان يوما ضيعة الشاطىء الفينيقي؟ او لم يحمل زيوس اميرة من صيدا على ظهره، ليطلق اسمها على اوروبا كلها؟
لكن.. ماذا فعلت المتوسطية العربية باستثناء سوريا ولبنان؟ او لم تحتج جزائر المليون شهيد على »المقعد الشاغر«؟! لكن جزائر بوتفليقة هي غير جزائر بومدين، وبوتفليقة الرئىس هو غير الوزير، هو الذي قرر العودة الى الساحة الفرنسية عبر بوابة يهودها.. مفارقة ان يعقد المؤتمر في مرسيليا، مرسيليا التي اخذت اسمها من ادغام »مرسى ايل« فهل تكون مرسى ليهوه؟
ام ان ايل، يجهز سفنه من جديد، من على الشاطىء الكنعاني؟