اقرأ تقرير الزميل حمدان الحاج عن زيارة الوفد الصحفي لبريطانيا، فيعيدني الى زيارة اخرى قمنا بها لبرلين قبل اشهر.
السبب موقف محدد من قضيتين اساسيتين في العالم العربي.
حزب الله، والعراق..
لكأن هذين الاسمين يثيران حساسية مرضية لدى معظم الدوائر الغربية، الى الحد الذي يحولك انت الى عدو، معرض لهجوم يتجاوز اداب الحديث، ورقة الضيافة، اذا ما دافعت عنهما.
مما يقود الى السؤال الجوهري: ما هو المشترك، لدى الاثنين، الذي يثير هذه الحساسية العدائية المجنونة؟
ويأتيك الجواب ببساطة وسرعة: يشتركان في الموقف الجذري من اسرائيل.. وبالاحرى ما يزالان طائرين يغرّدان خارج السرب.
يشتركان في الموقف المعادي لسيد العالم الأوحد: الولايات المتحدة الاميركية.
وتجدك تبتسم من هراء الادعاء بالاستقلالية الاوروبية، والموضوعية ازاء المنطقة.
لكن الدخول في التفصيلات اكثر، يقود الى اكثر من مدخل:فالعراق المهزوم في بداية التسعينات، وحزب الله الصغير، المنتصر في اواخرها، يشتركان ايضا في كسر الهيبة، وتحطيم اسطورة التفوق الاسرائيلي..
لقد سقط الاله الاسطوري، عندما اضطرت اسرائيل في حرب الخليج لان تلزم الصمت، وتتراجع الى الوراء، كي تخوض الولايات المتحدة وتحالف دولي لا سابق له، حربها عنها.
فكانت حرب الخليج أول معركة تجد اسرائيل انها لا تستطيع خوضها بنفسها ولنفسها. وانزاحت الاسطورة ليكشف النقاب عن المحمية.
واذا كان الوعي العربي لم يلتقط هذا المفصل – سيكولوجيا – كما يجب، فذاك لان دمار العراق وحصاره، وانهيار الجدار الاستنادي، جعل لقرقعة حجارة جدار الصمود العربي امام السلام الاميركي الاسرائيلي، ضجيجا اكبر من ان يترك مجالا للسمع او للوعي الهادىء. لكن ذلك كله، لم يقد العراق، وبعد عشر سنوات، الى الالتحاق بمركبة الهاوية.
مما ابقى الحقد عليه.. ليس فقط لما هو، بل لما يمكن ان يكونه في المستقبل.
واذا كان سقوط الاسطورة في المرة الاولى، قد بدا رمزيا، كما بدا ان ثمنه اغلى منه.. فان السقوط الثاني، لم يكن الا تحطما دوّى صوته في كل الآذان. وانتشرت صورته امام كل عين، واقعا ماديا ينسحب فيه الجيش الاسطوري، امام مجموعة صغيرة نسبية من المناضلين، دون ان يلملم حتى عملاءه.
مفصل تاريخي قطعي، سجله حزب الله، ومن سبقه من قوافل المقاومة، على ارض الجنوب، لا مجال معه للتأويل او التحليل، ولا يحتاج مردوده السيكولوجي الى اي جهد او تسويق.
ولعل اخطر ما فيه، اضافة الى بعده القومي والاسلامي، تلك الرسالة التي ايقظت لدي الفلسطينيين، ليس فقط البرهان والامل، وانما واقع دور المقاومة الفلسطينية في تثوير الجنوب اللبناني.
فالانتفاضة لم تبدأ مع زيارة شارون الى المسجد الاقصى، وانما منذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان.. وتعددت تجلياتها. هل يكفي كل هذا لحقد اليهود، لجنون واشنطن، (جنون اسوأ ما فيه انها لا تستطيع التعبير عنه.. لاضطرارها لاكمال الدور). ولحساسية الغرب؟
هذا الغرب الذي يمتلك ايضا اسبابا اضافية خطيرة، منها ما يتعلق ببعبع الاسلام، ومنها ما يتعلق بالنفط.. ومنها ما يتعلق بامور خاصة بكل دولة من دوله.