اندريه شوراكي، كاتب، مترجم، معروف في اهم دور النشر الاوروبية، يهودي مغربي هاجر الى اسرائيل، واصبح نائبا لرئيس بلدية القدس. احدى المجلات الفرنسية، اجرت معه حوارا مقابلا لحوار آخر مع الكاتب الفلسطيني الياس صنبر، حول القدس.
شوراكي بدأ حديثه، بالكلام عن ذكريات الحرب العالمية الثانية، ليأتي ذلك منسجما مع سيل الصفحات التي تغص بها صفحات المطبوعات الاوروبية حول الهولوكوست (بالابيض والاسود) في محاولة ذكية لا مباشرة، للتغطية على صور الجرائم التي حملتها وسائل الاعلام خلال الانتفاضة الاخيرة.
لكن ما اضافه شوراكي ايضا هو استعادة تاريخ الاضطهاد الذي عاناه اليهود (بحسب قوله) من بداية التاريخ. حيث يقول بالحرف: »ما بين عامي 63 و70 ب. المسيح، قامت الامبراطورية الرومانية بصلب ستمئة الف يهودي. في مذبحة ممنهجة… وبعد ذلك بعشرين قرنا، قامت اوروبا مرة اخرى بحرق ستة ملايين يهودي. وبين التاريخين لم ينس اليهود اورشليم لانها مركز يهوديتهم«.
هذه الفقرة القصيرة تطرح اكثر من امر خطير، تندرج كلها في سياق تعميق عقدة الذنب المتجذرة كالسرطان في السيكولوجيا الغربية. عقدة يظل علينا، ومن مصلحتنا القطعية ان نتصدى لتفكيكها.
فكما اثبتت جميع الدراسات العلمية المعاصرة ان رقم الملايين الستة، اكذوبة وهمية كبرى، فان رقم الستمئة الف الذين صلبهم الرومان يبدو مثيرا للضحك. فكم كان عدد اليهود في القرن الاول بعد الميلاد، ليصلب منهم ستمئة الف؟ وخلال سبع سنوات اي بمعدل 857 شخصا كل عام. وكيف وجد الرومان وقتا لسائر شؤون امبراطوريتهم؟
واذا كان الرقم لا يبدو بنظر البعض مهما، فانه يصبح كذلك عندما نقيم معادلة الذنب بحجم الجريمة، والتعويض بحجم الذنب… ومعادلة أخرى تكمن في ان ما يفعله اليهود بحق الفلسطينيين سبق وان لاقوا اضعافه، وعلى يد الاوروبيين. وبالتالي: »ليس لكم ان تدينونا، لانكم فعلتم بنا اضعاف ذلك«.
النقطة الاخرى البالغة الخطورة، بالنسبة للسيكولوجيا الغربية، هي اختيار ثيمة الصلب ومعروف ما يعنيه الصلب والصليب في اللاوعي المسيحي، فيما يؤدي الى النظرية التي يطرحها، الذين يقاومون تهويد المسيحية هناك، وهي احلال اليهود للشعب المصلوب مكان الاله المصلوب. مع كل ما يستتبعه ذلك سيكولوجيا، ايمانيا، وسياسيا.
غير ان الملفت هنا، ان مقاربة التاريخ القديم، بالغة الخطورة بالنسبة لاي يهودي، حيث تكمن في اسفار توراتهم جذور فكرة الابادة العرقية والتمييز العنصري، وخاصة في سفر يشوع. الذي اعترف جوليوس سترايشر، منظر النازية، بانه استوحى منه فكره العنصري. كما اعترف الاميركيون بانهم وجدوا فيه تبريرا لابادة الهنود الحمر، وهل تخلو قصة من قصص التوراة من مذابح جماعية بامر من »الانبياء« و»الرب« المزعومين؟
»ابسلوا كل نسمة حية فيها«
مذابح لا تعدها التوراة الا بالآلاف وعشرات الآلاف. »التحكموني يهز رمحه فيقتل ثلاثمئة«، (وربما وجدنا فيها تبرير رقم الستمئة مصلوب).
لكن الخطورة، رغم كل ذلك، تبقى في ان هذا الكلام الخرافي يفعل فعله في الغرب، لان الرأي العام ليس مؤرخا ولا محللا سياسيا… ولانه مهيأ سيكولوجيا لتقبل ذلك… ولان ارهابا فكريا هائلا يحمي الاكذوبة سواء تعلقت بالاساطير القديمة، ام بالاسطورة الحديثة…
واذا كان نقض الاثنتين عملا اساسيا يجب ان يتصدر خطتنا الاعلامية، فانه عمل يجب ان يتحقق على يد اوروبيين واعين، لان ذلك اضمن لنجاحه، من ان نقوم به نحن.
هؤلاء موجودون، وهم يناضلون بشراسة، وعلينا دعمهم.