الحضور ـ الغياب

السياسة العربية الأوروبية، 17-10-2000

في العام 1993 كتب جان بيير شفينمان يقول: »يكفي التلفظ باسم القدس، لقياس مسافة الطريق التي ما يزال علينا ان نقطعها«.

وكان قد قال في الكتاب ذاته: »منذ ايام ديغول وفرنسا تدعي انها تمثل صوتا تفتقر اليه الساحة المتوسطية: العبور الى الحداثة في »ظل العدالة والحق«. فهل سيشجع انهيار الاتحاد السوفياتي هذا التوجه؟

القدس، العدالة، والحق.. ودور فرنسا.

واليوم دور فرنسا ـ اوروبا حيث ترأس الاولى المجموعة؟!

»لم تكن اوروبا في مدريد الا صورة متمثلة في »فان دين بروك«، ولم تكن الامم المتحدة الا مدعوا صامتا، بلا حراك، وكان غياب فرنسا ساطعا. لكن الصور المتمثلة، الصامتة، الغائبة، غابت فعليا، وكليا فيما تلاه..

اما فرنسا التي دخلت حرب الخليج، بحجة، تبناها مؤيدو الحرب، هي الحفاظ على مكانتها، وضمان كرسي على طاولة المفاوضات، والحصول على حصة في الاقتصاد »بترول ـ صفقات.. الخ« فخرجت بخفي حنين.

فرنسا التي تخلت عن استعمال حق الفيتو، كي لا تدفع الاميركيين الى دعم آخرين يطالبون بمقعدها في مجلس الامن، لم تعد تجد لنفسها حق حضور اجتماع يعقد فوق ارضها رغم مطالبة احد الطرفين المعنيين بحضورها.

واذ يتجرأ رئيسها على اتخاذ موقف شبه متذكر للعدالة والحق اللذين تحدث عنهما شفينمان، تخرج جماهير اليهود من شعبه »وهم ليسوا من شعبه لانهم فعليا من شعب اسرائيل« يعيشون في بلاده لابتزازها، وبجنسية مزدوجة، يخرجون الى الشوارع هاتفين »شيراك الى السجن«.

ولو ان الامر لم يكن يمسنا مباشرة، لكان بامكان المرء ان يفرح او يشمت لان رئيسا يرضى، بما لم يرض به اربعة رؤساء قبله، بمن فيهم ميتران صديق اليهود، يرضى بالاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عما يسمى جرائم فيشي، ويرضى بتحويل يوم 17 تموز »بعد ثلاثة ايام من عيد الثورة الفرنسية العظيمة« الى عيد وطني في ذكرى ترحيل مزعوم لعدد من اليهود. بحيث لم يعد احياء هذه الذكرى مقصورا على اصحابها، بل هو احياء رسمي يخص الدولة كلها، ويرضى بان يفتتح بنفسه متحف التراث اليهودي في عاصمته.. هو رئيس قبل باحكام قيد الاستعمار الروحي اليهودي على فرنسا، فهل يمكنه ان يتوقع بعدها، ان تكون له حرية اتخاذ موقف سياسي الى جانب »الحق والعدالة«؟

رغم ذلك كله، ليست فرنسا كلها متهودة متصهينة، وفيها من الاصوات الوطنية التي تفهم مصلحة فرنسا في الحفاظ على ارث ثورتها، ودورها واستقلاليتها، وتوازن سياستها.

اصوات، احدها جان بيير شفينمان الذي قال عام 1990: »شرف لي ان اقاوم اللوبيات، ايا تكن«.

كما قال بعدها: »فرق كبير بين ان نحافظ على وجودنا في المحافل السياسية الدولية وان نحافظ على مبرر وجودنا فيها«.

شفينمان نفسه اكد على ان الاوروبيين لم يكونوا متحمسين لحرب الخليج لولا الضغط الامريكي.

والضغط الامريكي ذاته هو الذي يمنع حتى الآن مشاركة اوروبا ومنها فرنسا في اي اجتماع من مدريد الى شرم الشيخ.

فهل ستظل اوروبا كلها اما غائبة او غائبة ـ حاضرة، كما الامم المتحدة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون