لن تكون عنتيبي.. رغم انهم تركوا الاعلام يخبرنا بان الكوماندوس يتجمع وراء الشريط الشائك، ورغم انهم قالوا ان مروحياتهم تمشط الطرقات اللبنانية، بحثا عن جنودهم المعتقلين..
فليس كل هذا الكلام الا من باب الاستهلاك الاعلامي الداخلي، لحفظ ماء الوجه، او لحفظ رطوبة ريق في حلق ما يسمونه »المواطن الاسرائيلي«.
فهم يعرفون ان حزب الله لن يعرض اسراه فوق سيارات مكشوفة ويدور بهم مستعرضا على طرقات الجنوب..
ويعرفون ان الكوماندوس، اعجز من ان يقوم بما قام به يوما في مطار عنتيبي بقيادة شقيق نتنياهو، واشراف باراك، او بالاحرى ما قام به باراك نفسه في شارع فردان في العاصمة اللبنانية.
اهمية العملية اللبنانية، ليست في مضمونها نفسه، فطالما تم اسر صهاينة، وتمت مبادلتهم، احياء او امواتا بسجنائنا.
اهميتها تكمن
مرة كتب جوفري ارونسون، مدير مركز دراسات الاستيطان في واشنطن، قائلا: يخطىء من يقارن تفكيك المستوطنات في سيناء، بما ينويه اليهود لمستوطنات الضفة الغربية، والسبب ان الاسرائيليين قبلوا بتفكيك تلك كي يتمكنوا من المحافظة على هذه..
في توسيع للدائرة يمكن القول، انهم قبلوا بتنازلات على الجبهة المصرية، لانها الاكبر والاخطر، ليحيدوها ويتفرغوا للجبهات الاخرى، وربما انطبق هذا المقال على لبنان، فهو لم يكن الجبهة الاكبر، لكنه كان الاخطر والاكثر ايلاما في العظم، فانسحبوا منه، على ما في ذلك من وجع ليفرغوا للجبهات، بل وللجبهتين المتبقيتين: سوريا ديبلوماسيا، وفلسطين على كل الصعد.. وحتى سوريا، فامر قابل للتأجيل الى ما شاء الله.. المهم ان يركز الجهد على فلسطين.. ان تركع، وتصفى، وتخضع راضية حامدة للشرط الاسرائيلي – الاميركي بالامحاء.. وان لم تفعل.. او حتى تلكأت انتفض يشوع مطلقا قرون النار والحديد، وصراخ الابادة العرقية، التي كان له فضل التأسيس لها في التاريخ الانساني، وعملا، وتدوينا – سفرا، يحفظه الزاميا كل جندي او مجند اسرائيلي، فيكون سيكولوجيته، واسلوب عمله.
انقض يشوع بكل هؤلاء المجرمين الحاقدين، ليقول للفلسطينيين جملة واحدة: اما ان تموتوا سحقا وحدكم، وإما ان تركعوا وتقروا بانكم عجماوات لا ترقى الى صف ابناء الله المختارين.
وجاءت الملايين في الشوارع العربية والاسلامية تصرخ بالفلسطينيين انكم لستم وحدكم ولستم عبيدا، بل ابطال يقر الجميع ببطولتكم.. رفعت الرايات واحرقت الاعلام.. ولكن ذلك ظل في دائرة الدعم المعنوي، وفي احسن الاحوال، التبرع بالادوية.
كان الكلام كثيرا، لكن واحدا فقط قال جملتين مفيدتين:
»بامكانكم ان تراهنوا علينا في الشدائد وكفى؟«
»لا يجوز ان تبقى المعادلة اننا نقتل (بضم النون) بل يجب ان تكون نقتل ونقتل (بالضم والفتح)«.
ولم تكن الجملتان مفيدتين لبلاغتهما، بل لانهما تجاوزتا القول الى الفعل.. فعل اثبت ربح الرهان.. فعل وضع المعادلة فيما يجب ان تكون عليه.. فعل قال للفلسطينيين انكم لستم وحدكم، ولليهود انكم لن تقيدوا يد الجميع كي تستفردوا بهؤلاء.
من جهة اخرى، بالغة الاهمية، ومتعلقة بالجانب المعنوي فقد رأى الكثيرون في هذا الجنون الاجرامي في الارض المحتلة انتقاما للذل الذي هوى بافئدة وركب الجيش والناس في اسرائيل، بعد هزيمة الجنوب.. انتقاما يلبي نداءات طبيعة السيكولوجية الحاقدة المتعطشة للانتقام، ويلبي حاجة تكتيكية في اعادة شحن المعنويات المنهارة (وفي هذا تبرير اساسي للاجماع الشعبي على تأييد الوحشية القمعية والذي وصل الى 95%).
وهنا تأتي الاهمية الكبرى لعملية مزارع شبعا.. حيث انها نسفت الجهد الاسرائيلي في التعويض المعنوي، واعادة الثقة، من اساسه، واعادتهم الى حديث الملاجىء، والى الهرولة وراء الوسطاء العرب والدوليين.. بل والى لحس التهديدات، ومهلة الساعات الاربع، بخزي لا يكشف الا عن مأزق، وعجز..