واحدة هناك
وواحدة هنا..
واحدة بين رجلين انيقين باسمين، تحركهما اطماع في السلطة والمال وحكم العالم.. لكن دون فوارق كبيرة جوهرية لا في الايديولوجيا، ولا في طبيعة مراكز القوى واللوبيهات المالية والسياسية التي تصنع منهما شبه دمى متحركة… وجماهير تحتفل بالسياسي وكأنها في كارنفال مجنون، ويقلقها حق الاجهاض.
وواحدة بين اثنين ايضا: شعب الفي متجانس، تعدديته ثراء، ووحدته طبيعة الجسد الواحد، ايديولوجيته ايا تكن، منفتحة انسانية متسامحة وريثة »ابن الانسان« ولا فضل لعربي. وآخر شتات من شعوب، ليس في حيز المنطق تبرير لكونها اصرت على ان تكون »شعبا« كما ان ليس فيه تبرير لقبول العالم بمنطقها المشدود بين ادعاءين: وحدة العرق ونقاء الدم وجابوتنسكي، ام وحدة الدين، التي اغرب ما فيها ان من اعتمدها في البدء كانوا من الملحدين. ومنطق »هذه الارض اعطانا اياها اله لا نؤمن بوجوده« كما يقول روجيه غارودي.
منطق مثله، ان يلتزم الغرب الخارج من دم ونار العرقيات، وقبلها من نار الحروب الدينية، مدعيا الانسانية والعلمانية، بدعم دولة تقوم على الاسس التي بات يعتبرها جرائم؟
آخر، وريث ايديولوجية الاختيار، والوعد الالهي، وابناء الله والعجماوات وحق اولئك في ابادة هؤلاء.
كلاهما يقلقه ايضا الاجهاض.. الاول يقاوم اجهاض وجوده، والاخر يقمع ويستشرس لعدم اجهاض مشروعه العنصري الاستعماري.
مختلفان في المشروعية، مختلفان في الرؤية البنيوية والحضارة والثقافة، مختلفان في مصادر القوة.. مختلفان في الجدار الذي وراء الظهر:
ذاك يستند الى عمق يهودي عالمي، الى اللوبيهات ومراكز القوى نفسها التي تصنع المتناظرين الانيقين في واشنطن، وتساهم في صنع صناع القرار في اوروبا، بحيث يقمع هؤلاء كل صوت معاد للدولة المدللة وذاك، يستند ـ هل يستند؟ ـ الى عمق عربي، قد يكون الكثيرون من صناع القرار فيه خاضعين لصنائع اللوبيهات ومراكز القوى، بحيث، ان لم تقمع، يأست الصوت الشعبي المعادي للدولة المدللة.
بل يستند ـ ويستند ـ الى عمق آخر، جوهري، حقيقي هو حقه وجذوره ووجوده الطبيعي. فما التقط حجرا الا وفيه تراكم عظام ابائه واجداده، وما وقع على تراب الا وهو تراب اهله، ما احتمى بجدار الا وهو لاحد ناسه، او سورا لحقل منذ قرون وجده وجدته يستقبلان الشمس فيه، يشقون صدره، فيترك شقوقه على ايديهم… ويخصب الجميع.. ما قاتل في شارع الا بعد ان لحق فيه بحبيبة، او سار فيه متعلقا بذيل ام لشراء او لبيع، حمل فيه السعف للشعانين، او لتظليل بيوت العائدين من الحج.. طريق الجلجلة، يعرفها دائما تعقب الميلاد، تعقب اربعين الصوم، وتعقب اسبوع الالام، لم يمض ربيع منذ الفي سنة دون ان يكررها، ولم تقف مرة، طوال الفي عام عند حدود الجمعة العظيمة..
دائما، يأتي سبت النور دائما، يعقبه احد القيامة.