نوايا..!!

السياسة العربية الأوروبية، 26-09-2000

في العام ،1990 كتب جان بيير شفينمان بعد آخر زيارة رسمية له للعراق:

»كان الاشكال المالي يسيطر على علاقاتنا بسبب ديون غير مدفوعة (25 مليار فرنك)، وخلال الساعتين اللتين استقبلني فيهما صدام حسين كان يرد على ملاحظاتي ردود رجل سياسة، فالهموم الحقيقية التي تشغله كانت في جانب آخر: تطور اسعار البترول، التطبيع المفرط السرعة للعلاقات الاوروبية الايرانية، وانهيار الاتحاد السوفييتي ومخاطر العزلة التي ستصيب العراق نتيجة له، اذا لم يستطع ان يجد في اوروبا واليابان، حليفا بديلا.

اما الحديث بين بلدينا فتركز على اعادة بناء الاقتصاد العراقي، وكان العراقيون يبدون راغبين في الخلاص من الاطار الجامد، بحيث مضوا الى حد طرح شراء فرنسا للبترول في ارضه« كذلك تحدث الوزير الفرنسي عن تركيز الرئيس العراقي على سبب اساسي في منح فرنسا معاملة تفضيلية، وهو سياستها الاستقلالية ازاء الشرق الاوسط.

بعد ذلك، بقليل، نشبت ازمة الخليج، ووقف هذا الوزير مع آخرين ضد قرار الحرب الذي كان يدفع اليه اللوبي اليهودي، وعندها خرجت في باريس مظاهرة ضمت الفي شخص نظمها البيتار اليهودي مطالبة باستقالة وزير الدفاع، وترفع يافطات من مثل: »لننته من مشكلة شفينمان« – »شاحال نحن معك« – »عرفات، صدام والغاز« »يهودا والسامرة خاصتنا«.

هذا اضافة الى ضغوط كثيرة اخرى، ليس ضد شفينمان فقط، وانما ضد كل انصار »السياسة الاستقلالية«.

ورغم ذلك كله، لم يتخذ قرار الحرب في الجمعية العمومية الا باقلية ضئيلة.

في العام ،1980 برز لاول مرة مفهوم »اللوبي اليهودي« و»الصوت اليهودي« وذلك في الانتخابات الرئاسية، وضد فاليري جيسكار ديستان، وذلك بسبب سياسته الاستقلالية ازاء الشرق الاوسط، او ما اسماه قادة اللوبي في بيانات انتخابية وزعوها: »عدم ابداء التأييد الكامل لاسرائيل«، وكانت الملصقات الموزعة في الحملة تحمل صورة انفجار نووي مرعب وتحته: »اوزيراك، جيسكار هو المسؤول«.

وهلل قادة اللوبي لنجاح سمَّوه »العملية ضد جيسكار« وهلل معهم آفي بريمور، سفير اسرائيل لدى المجموعة الاوروبية، والمبعوث الخاص المكلف بتحويل الطائفة اليهودية الفرنسية الى لوبي وصاح هنري هاجدنبرغ: »هذا كثير نجح التجديد اليهودي، وسقط جيسكار«، منذها تكرس مصطلح »الصوت اليهودي« الذي اصبح مرشحو اليمين يخشونه..

لكن ذلك، لم يعن ابدا نهاية جيسكار ديستان السياسية، ولا نهاية حزبه، لان عوامل كثيرة اخرى، ساهمت في سقوط اليمين ووصول اليسار، وكذلك العكس، بعد سنوات.

قبل ذلك بسنوات طويلة 1969 كان مفكر ومناضل يميني هو فرانسوا دوبرا، يدفع حياته ثمنا لدعوته الحادة الى سياسة استقلالية في الشرق الاوسط، ومواجهته لزملائه داخل صفوف اقصى اليمين الذين يؤيدون اسرائيل كونها قاعدة متقدمة ضد الاتحاد السوفييتي الشيوعي، ولتأسيسه للجان فلسطين..

لكن نظريات دوبرا، استمرت حتى في صفوف جماعته.

في العام الفائت، التقينا صدفة في بغداد المناضل المفكر بيير غييوم، (صدفة لانه جاء بديلا عن روجيه غارودي الذي اصيب بكسر في ساقه).

وبعد شهر، كنا في باريس، لنجده يرش شوارع باريس بملصقات تدعو لرفع الحصار عن العراق، وبنص عميق مبدئي.. بل ويزرع شبابا امام باب مسجد باريس، بعد صلاة الجمعة ليوزعوا البيانات على المصلين، وذلك على نفقته الخاصة، ودون ان يكون لهذا الرجل اية مصلحة مستقبلية في العراق.

»بلى، قال، مصلحتنا مشتركة، لان الامركة، والصهيونية، خطران على العالم، لا عليكم وحدكم«.

امثلة لا حصر لها، توضح الصراع الاساسي القائم بين دعاة الاستقلالية التي ما هي في الحقيقة الا »عدم الانحياز لاسرائيل« و»عدم الارتماء في ذيل التنوره الاميركية« على حد تعبير شفينمان..

وهو صراع، يبدو واحد من وجوهه في التحركات الفرنسية الاخيرة، ومنها »الزيارات الجوية«.

لكن الانتباه لا بد وان يتجه هنا الى ما ناقشه شفينمان عميقا وبمرارة، في كتابه عن حرب الخليج، من المطبعية الميركانتيلية للعلاقة..

فثمة من يحمل حقائبه الى بغداد بدفع مبدئي، لا يشوبه ان يكون مضمونه لقاء المصالح الفرنسية – العراقية، سواء في بعدها المبدئي ام في تجلياتها السياسية والاقتصادية، ومنهم من يحملها طمعا في ان يحشوها يوما بدنانير النفط والاستثمار واعادة البناء، دون ان يكون لديه اي مانع في تأييد موقف سياسي قادم، يدمر كل شيء، ليعود فيقبض ثمن اعادة بنائه من جديد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون