ان تحمل بعض الصحف خبر اجتماع، نظمه مركز، من مراكز الدراسات المشبوهة الخاصة، في مصر، بحضور عدد ممن اطلقت عليهم القابا »ثقافية، وعلمية وسياسية« من عرب واسرائيليين، لامر عادي.
اما ان تنشره تحت عنوان يوحي وكأنه اجتماع رسمي، وكأن المشاركين يمثلون دولهم »بمشاركة مصريين وسوريين واردنيين وعراقيين ولبنانيين و…. اسرائيليين«.
ولماذا »لبحث موضوع التدابير الامنية«.
فالأمر يثير الشك والادانة، ليس ازاء الاجتماع المذكور، لأن اصحابه لم يخجلوا من دورهم وغاياتهم، لا كمطبعين »لاحقين للحدث السياسي« بل كعملاء دافعين له باتجاه الاستسلام والتطبيع والتنازل، وانما ازاء الصحف التي روسته بعنوان رئيسي »مانشيت« يوحي للقارىء بان الاجتماع منعقد بين ممثلين عن الدول المذكورة، او عن شعوبها.
واذا كنا نحن، الاعلاميين، نعرف تماما انه لا وجود للبراءة او الصدفة في صياغة الخبر، واختيار العنوان، وان الجزء الاكبر من المهارة الصحفية يكمن في هذا الاخير. فان اول ما نستنتجه من ذلك، ان المقصود، من الخبر المذكور، الايحاء للقارىء بأن امور المفاوضات بل والعلاقات العربية الاسرائيلية، هي في عز حالاتها الطبيعية.
وان حدوث ذلك »انعقاد الاجتماع، ثم صدور الخبر، وصياغته بهذا الشكل« في وقت لا يحيط الحرج والتأزم فيه بالوضع الفلسطيني فقط، وانما ايضا بالوضع السوري، والمصري، والعراقي واللبناني، ما لا يمكن ان يخرج عن دائرته، الاردني.
فالفلسطينيون في ظرف لا يحتاج الى توضيح، بعد كامب ديفيد، والسوريون، تحت اقسى الضغوط مع توقف المفاوضات والانسحاب من لبنان والظرف الانتقالي الذي تعيشه البلد. والمصريون، قد دخلوا منذ سنتين على الاقل، مرحلة من التأزم سواء مع اسرآئيل او مع امريكا، مرحلة لا يخرج عن دائرة الضغوط الممارسة فيها، تحريك موضوع الاقباط »وتأجيجه من الولايات المتحدة« وتحريك بعض الجماعات الاصولية الاسلامية غير البريئة، وعملية تفجير الطائرة المصرية، بمن كانت تقلهم، وغيرها من سلسلة العمليات التي لو ربطنا بينها لوجدنا القاهرة في وضع قد يشبه وضع بغداد قبل التسعين، واذا كان ذنب الاولى انها تمردت على السقف المسموح به لاعداء اسرائيل، وللدول التي تدخل ضمن دائرة المصالح الامريكية، فان ذنب الثانية، انها لم تؤد حتى الآن مستحقات كامب ديفيد التطبيعية. اضافة الى بعض المواقف غير المرضية على الصعيد العربي.
اما العراقيون، فان تأجيج اللهب المسعور ضدهم في الذكرى العاشرة لاجتياح الكويت لا يخرج عن اطار لعبة عض الاصابع الصعبة، حول النفط، والسلام مع اسرائيل.
واخيرا الاردنيون… فمن غير المقبول منهم ان يديروا وجوههم صوب الشرق، او الشمال او الجنوب.. خاصة اذا كان الشرق والشمال لم يصابا بعد بتشنج الرقبة الذي يوجههما نحو الغرب، ونحوه فقط.
لذلك ارادت الندوة المذكورة ان توحي، عبر حفنة المرتزقة الذين شاركوا فيها بان »الجهات غير الحكومية«، اي الشعوب، تلتقي دون عقد، وتخطط للتدابير الامنية »البند الاعز على قلب اسرائيل في التفاوض«.
وجاءت صياغة الخبر بالطريقة المذكورة لتؤدي الدور المطلوب في توظيف ذلك في الحملة الاعلامية الموجهة باتجاهين: التطبيع والضغط.
واذا كانت قراءة الخبر مفصلا، تجعلك تكتشف ان العراقيين والسوريين المشاركين ليسوا الا من افراد المعارضة التي تعيش في لندن والولايات المتحدة »وسبحان جامع النقائض!!!«.
كما ان الاسم اللبناني مجرد استاذ مجهول لا يمثل الا ذاته، والطريف ان اكثر المشاركين يعملون في جامعات او مؤسسات امريكية، وليس لواحد منهم الا ثقل الاداة.
اما.. المظلة، الحضن، الدافىء الصالح لتفقيس متطلبات الحملة الاعلامية الاسرائيلية، مؤسسة تحمل اسم »مركز دراسات الشرق الاوسط« واحدة من هذا السوس الهائل الذي يقضم هيكلنا الثقافي، والسياسي والفكري.
واخيرا بعض وسائل الاعلام التي تنبري للتمويه والايحاء والترويج…