للدول كما للافراد.. لا تصنع الاولى الا بجهد ومثابرة، ولا يحتاج الثاني الى صناعة..
لكن ما يجمعهما، هو امكانية افتعالهما، التظاهر بهما، دون وجودهما حقيقة، او فيما يتعدى وجودهما الحقيقي..
في عام ،1944 كتب مناحيم بيغن قائد الارغون عن أهمية العمليات الارهابية في تدمير هيبة النظام الاستعماري البريطاني، محللا كون بريطانيا تفضل ان تبني سيطرتها على الهيبة لا على القوة، وبالتالي فان استمرار هذه العمليات وتصعيدها، حتى ولو بدت خاسرة، يدمر الهيبة، وبالتالي يقضي على الوجود البريطاني في »ارض اسرائيل«، لصالح الصهيونية وهدفها النهائي: قيام دولة اسرائيل.
وبالتالي فان بيغن يحدد بناء على ذلك طبيعة العمليات التي يفترض التخطيط لها. وطبيعة مواجهة محاولات »القمع« البريطاني.
في عام ،1995 حددت دراسة سرية، اشرفت عليها القيادة الاستراتيجية الامريكية، وكشف النقاب عنها مؤخرا، الخطوط العريضة التي تشكل »المبادىء الاساسية للردع، بعد انتهاء الحرب الباردة« مظهرة كيف ان الولايات المتحدة الامريكية قد عدلت استراتيجيتها الرادعة باستبدال الاتحاد السوفياتي بالدول »الخارجة على القانون«: العراق، ايران، ليبيا، سوريا، السودان، كوبا، وكوريا الشمالية.
وتعتبر الدراسة ان على الولايات المتحدة ان تعمل على ان ترسم لنفسها صورة »لا عقلانية« و»مجازفة« اذا ما هددت مصالحها.
وتضيف الدراسة انه من »المضر ان نظهر بمظهر العاقلين، العقلانيين، واصحاب الدم البارد، لذلك لا بد من ان نوحي بان »بعض عناصر الادارة الفدرالية، مجانين، ومن الصعب ضبطهم« مما يعزز خوف الخصم، وتوجسه.
واذا كان في هذا التقرير، استعادة لـ »نظرية المجنون« التي طرحها ريتشارد نكسون، واعتبر ان تطبيقها يجعل الخصم ينصاع دون الاضطرار للحرب، الفعلية.
فان نيكسون نفسه، قد استعار نظريته من خطة عمل الحكومة العمالية الاسرائيلية في الخمسينات، التي كتب عنها موشيه شاريت في يومياته، انها كانت »تدعو الى تبني اعمال الجنون« للهدف نفسه. الجنون، ام الهيبة..؟
ام الاول وسيلة لفرض الثانية؟
اولم يكن هدف جنون مارغريت ثاتشر في الفوكلاند، الحفاظ على الهيبة؟
الم يكن ذلك سبب تعليق فرانسوا ميتران، الاشتراكي على ذلك، بالقول:
»انني اغبطها، ولو كنت مكانها لفعلت الشيء نفسه«.
اوليس في ذلك ايضا، فهم الاستراتيجية الامريكية في هجماتها على كل من تجرأ وخالفها، او تحول عن تبعيتها؟
اوليست »الهيبة« الاسرائيلية، هي التي كسرت في جنوب لبنان، فيما حقق تحريره؟
اوليس في كليهما: الهيبة، وافتعال الجنون، مفتاح لقراءة المسألة العراقية، وعبرها الوضع العربي كله، ونحن نعبر بوابة العام العاشر للحصار؟