ديمقراطية

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 19-07-2000

لم تكفنا عقدة النقص ازاء الغرب، فاذا ببعض كتابنا يجهدون في ترسيخ عقدة نقص جديدة اكثر خطرا ازاء اسرائيل، فلا ندري اهو الجهل ام غير الجهل، ذاك الذي يدفع كاتبا سياسيا للتغزل المنبهر بالديمقراطية الاسرائيلية المنسجمة مع احدث ما بلغته الديمقراطيات الغربية.

لكأن الكاتب لا يعرف الديمقراطيات الغربية ولا يعرف “الديمقراطية الاسرائيلية”.

لا يعرف ان بعض “الاحكام العرفية التي اصدرها الانكليز عام ،1945 ما يزال مطبقا بحق جزء من سكان دولة اسرائيل، دون الجزء الآخر، وأحد هذه القوانين هو قانون 142 الذي يجيز للحاكم العسكري بذريعة الامن ان يعلق حقوق المواطنين بما في ذلك حقهم في التنقل.

عندما اصدر الانكليز هذا القانون عام 1948 احتج حقوقي اسرائيلي يدعى برنار جوزيف عليه بحدة قائلاً: “هل عليها جميعا أن نرضخ للارهاب الرسمي؟ لم يعد اي مواطن بمنأى عن السجن المؤبد دون محاكمة.. ان سلطات الادارة في النفي لا يحدها شيء، لم يعد من الضروري أن ترتكب مخالفة ويكفي ان يتخذ قرار في احد المكاتب”.

وعندما اصبح برنار جوزيف وزيرا للعدل بعد قيام اسرائيل، طبق القانون نفسه على العرب وما زال يطبق حتى الآن.

مثله كان موقف حقوقي آخر هو ج.شابيرا الذي اعلن عام 1945 ان النظام الذي يرسخه هذا التشريع ليس له مثيل في الدول المتحضرة، ولم توجد مثل هذه القوانين حتى في المانيا النازية”.

وعندما اصبح شابيرا مدعياً عاماً ثم وزيرا للعدل، طبق القانون نفسه على العرب، ومازال يطبق حتى الآن.

وعليه كتب شيمون بيريز في صحيفة يديعوت احرونوت عام 1972: “ان استعمال القانون 125 الذي ينبني عليه الحكم العسكري، هو استمرارية مباشرة للكفاح من اجل ترسيخ الكيان اليهودي، وضمان الهجرة اليهودية”.

هذا عدا قانون تنظيم الزراعة في الارض البور، الذي تمت بمقتضاه مصادرة معظم اراضي فلسطين، او تنظيم 30 حزيران 1948 وقرار الطوارئ الصادر في 15 تشرين الثاني 1948 بخصوص املاك الغائبين، وقانون اراضي الغائبين لعام 1950 وقانون مصادرة الاراضي لعام ،1953 وغيرها من القوانين التي جعلت صحيفة افريكانز الصادرة في جنوب افريقيا تكتب: “ما الفرق بين الطريقة التي يستعملها الشعب الاسرائيلي ليحافظ على بقائه وسط مجموعة من السكان غير اليهود والطريقة التي يستعملها البيض هنا”.

هذه القوانين لا يجهلها قارئ من قرائنا، لا لثقافته القانونية واهتمامه بظواهر الديمقراطية وحقوق الانسان كبعض كتابنا، ونشطاء التمويل الاجنبي لدينا، بل لأن سيفها، ان لم يكن قد طاله هو، فلا بد أنه طال قريبه او جاره، لكن ذلك لا يمنع تأثره بمقولات الاعلام المتكررة، التي تغسل دماغه، المستعد لذلك، بفعل حماقة القمع العربي، ووقاحة استغباء عقل المواطن العربي وارادته. فاذا به يقيم المقارنة بين الانتخابات الاسرائيلية، ونسب الـ 99%، وبين تداول السلطة وابديتها، لكن دون أن ينتبه الى أن هذه الديمقراطية، ليست الا نظام تمييز عنصري، ان هو الا الترجمة الفعلية، الايديولوجية التفوق العرقي والديني، فما ينطبق على “أبناء الله” لا ينطبق على “أبناء الناس” ايديولوجية لا يمكن أن ينبثق عنها نظام ديمقراطي حقيقي لان جوهر الديمقراطية قائم على المساواة واحترام حقوق الغير.

جوهر، لا يتم التعدي عليه، من المنظور الصهيوني، فيما يخص العرب وحدهم بل يتجاوز الى سائر العالم عندما تكون هناك مصلحة لاسرائيل، بأدلة كثيرة، ليس أقلها ضغط اللوبيهات اليهودية على الحكومات الغربية، لاستصدار قوانين تحرم حرية البحث العلمي التاريخي في اسطورة الهولوكوست (ونجاحها في ذلك). وليس اقلها تكريس كتاب بنيامين نتنياهو “امن وسلام” لدعوة الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الى تقييد الحريات الثلاث: حرية الرأي، حرية العبادة وحرية التعبير، وتشديده على أنه لابد من اتخاذ تدابير امنية اكثر تقييدا للحريات في سبيل مقاومة الارهاب، هذا الارهاب الذي لا يتوقف برأي رئيس وزراء اسرائيل المنتخب، عند الارهاب الاسلامي الذي يعتبره الهدف الرئيسي، بل يتعداه في تفصيل واضح الى المنظمات والجماعات الاميركية المعادية لاسرائيل او لسيطرة اللوبي اليهودي على الولايات المتحدة. هذه هي الديمقراطية الاسرائيلية القميئة التي يجب علينا ان نعريها، ونبرز تخلفها الحضاري الانساني، لا أن نتغزل بها لنزرع في روع ناسنا عقدة نقص أخرى، لا تنقصنا.

ان ديمقراطيتهم لهم، سلاسل لنا، وارضنا تصبح لهم، فليحافظ كتابنا على وضوح رؤيتهم وأقلامهم، على الأقل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون