لعل من اصعب استحقاقات التحرير اللبناني الرائع، علاج موضوع العملاء الذين لجأوا الى اسرائيل، ويعمل الآن على توزيعهم على دول متعددة، خاصة في اوروبا الشرقية.
فهؤلاء الذين تمرس بعضهم في العمالة لاسرائيل ضمن الشريط الحدودي المحتل، او هرب اليه من المناطق اللبنانية الاخرى بعد توقف الحرب الاهلية، يظلون الغاماً موقوتة، جهاز تفجيرها بيد الاجهزة الاسرائيلية.
واذا كان هذا الجزء الثاني منهم، قد التحق بالميليشيات اللحدية، لأنه كان عميلاً مجرماً في صفوف ميليشيات القوات اللبنانية، وعندما انهارت هرب خوفاً من انتقام الناس الذين أجرم بحقهم، دون أن يزيده هذا الهرب إلا حقداً، واستعداداً اكبر للايذاء، فان الهرب الثاني – الآن – خاصة وهو يأتي بعد الهزيمة الثانية والنهائية، سيزيد من هذا الحقد ومن هذا الاستعداد.
اسرائيل تعرف ذلك جيداً، وتعرف أنه يجعل منهم اداة جاهزة تستعملها متى أرادت، لكنها في الوقت نفسه، تدرك ان توزيعهم على دول اوروبية، سيسهل عملية التمويه، على وجودهم ودورهم، ويمكنها من استغلالهم على صعيدين:
عمليات داخل لبنان او العالم العربي، وعمليات ضد الدول التي تستضيفهم، او بالاحرى ضد اعداء اسرائيل ومن يعترض على نفوذ اللوبيهات اليهودية في تلك الدول. وضد الجاليات العربية الأخرى هناك.
اضافة الى أن تواجدهم في الخارج، سيسهل بعد فترة، امكانية سفر أحدهم الى لبنان او الى العالم العربي.
من هنا سيكون على الحكومة اللبنانية ان تنشر وتوزع الاسماء والسير على الجميع، قد يطرح البعض حرمان هؤلاء من جواز السفر اللبناني، لكنهم سيأتوننا عندها بجوازات لا تعجز اسرائيل عن استصدارها من أية دولة كانت.
واليقظة المطلوبة من لبنان هنا مطلوبة ايضاً من سائر الدول العربية التي ستكون عرضة هي الاخرى، وعلى لبنان أن ينسق معها.
اما الجانب الآخر، ولعله الاكثر خطراً، ان بعض المستسلمين للقضاء اللبناني قد يكون فعل ذلك بالتنسيق مع الاجهزة الاسرائيلية، ليمضي فترة سجن محدودة، ويخرج بعدها ببراءة ذمة، ليعيش كمواطن عادي.
هنا ايضاً تبرز الاسئلة حول الحذر وامكاناته، ووسائله.
بعد انتهاء حرب الجزائر، خرج المتعاونون مع الفرنسيين، معهم، حاملين اسم “الحركي”، وها هم يشكلون اليوم مشكلة لفرنسا نفسها، ضريبة صعبة عن استعمارها، تدفعها بعد عشرات السنين وحتى عشرات السنين.
لكن اسرائيل لا تريد “الحركي” اللبنانيين عندها، لا تريدهم اضافة الى مشاكلها العربية، فهم واولادهم، في النهاية “عرب، غوييم” لايحق لهم سكنى الارض الموعودة.
انهم خدم كما وصفتهم احدى وسائل الاعلام الاسرائيلية، قاموا بدورهم، ولا بد من توزيعهم على العالم، حتى اذا احتاج اليهم السيد كلفهم بما يريد.
لهذا، يفترض أن يتجه الضغط الى عدم قبولهم في اوروبا، والى بقائهم في اسرائيل، علهم يصبحون يوماً مشكلة لها.