“فضيحة جديدة” قد يكون من الصعب على الخيال العربي، او اي خيال خارج المانيا، ان يتصور ان هذا العنوان يطلق على مجرد سلوك بسيط قارن فيه المستشار هلموت كول، قرار مقاطعة شركة حليب “نستله” “لكونها قدمت تبرعات لدعم حزبه” بقرارات المقاطعة التي كانت تحصل في الثلاثينات.
لم يلفظ المستشار السابق، موحد المانيا، اسم اليهود، ولكنه من الواضح هنا ان الاشارة الى الثلاثينات تخصهم.. لم يقل شيئا ضدهم، وانما قارن وضعه ومؤيديه اليوم، بوضعهم يومها، لم يصل ابدا حد التجرؤ الذي وصله بعض المؤرخين في الكشف عن سيطرة لوبيهاتهم سيطرة كاملة على الاقتصاد والاعلام والفنون، قبل مجيء هتلر الى الحكم، بل وتشكيلهم وحدات عسكرية »ميليشيات« كاملة متكاملة قبل الحرب العالمية الثانية، تحمل علمهم الخاص وتتميز بزيها العسكري الخاص.
لم يجرؤ ابدا على آعلان ما يعلنه بعض الفلاسفة والمؤرخين الالمان الذين يتحدثون عن قضية الاجيال، معتبرين ان الجيل الحالي، وهو الجيل الثالث بعد النازية، لم يعد يتحمل مسؤولية اعمالها.
كل ما فعله انه تجرأ وقارن نفسه بهم، اضطهاده باضطهادهم.. لتقوم الضجة من كل مكان: ليس فقط في صفوف الاشتراكيين الخصوم، وفي صفوف الخضر »كريستيان ستروبل«، ومن قبل نائب رئيس المجلس اليهودي الالماني ميشال فريدمان، وصحيفة برلين زيتونغ، بل وايضا في صفوف الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشار نفسه.
كيف يمكن لاحد ان يقارن اي شيء بمأساة اليهود؟ انها تابو، وشيء مقدس فريد لا يجوز لاحد ان يقربه؟ واي تداول لها في السياق الانساني يهز خصوصيتها، التي تؤسس عليها فرادتها، وبالتالي عقدة الذنب المرعبة التي تدق اوتادها ومساميرها كل لحظة وفي كل مجال، وبالتالي تبنى عليها جميع عمليات الابتزاز المادي والمعنوي.
هذا هو السياق الذي تندرج فيه هذه القضية في اوروبا كلها، وفي المانيا خاصة.
وهو السياق الذي لا يمكن لأي مراقب واع ان يتبينه بوضوح مع تعرفة الى الساحة السياسية الالمانية، شعب مسكون بعقدة الذنب، حد المرض، حد المازوشية، سواء عن قناعة، او عن فرض وخوف.
اعلامي كبير يحدثك ـ دون مناسبة ـ عن التزام بلاده بدولة اسرائيل، لانه التزام نابع من المسؤولية عن الهولوكوست، ويضيف: دون اي اعتبار لقضية الاجيال في هذا المجال المبدئي: 10 على ،10 بالنسبة لما هو مطلوب منه ان يقوله.. وصديق يعرفه جيدا يسر الي خارج العمل »كاذب تماما، انا اعرفه جيدا، وفي جلساته الخاصة يقول عكس ذلك، لكنه هنا، يعرف انه ان لم يقل ذلك، يفقد موقعه«.
رغم ذلك يلقي علينا الرجل محاضرة عن غياب الحريات الصحفية في بلادنا.
رئيس كتلة برلمانية، يؤكد ان موقفه المعادي للعراق نابع من ذاكرة المانية معينة ازاء الديكتاتورية، لكنه لا يجد في هذه الذاكرة ابدا ما يحركه ضد مبدأ التفوق العرقي، وحق الاعتداء على الاخرين باسمه.
وفيلسوف كبير، يحاول ان يمارس علمه في بحث عن تأثير تطور الفيزياء الجينية، فيولول اليهود في القاعة، ويرسمه الاعلام كمرتد الى النازية.. وبعدها يتبدى ان السبب هو ان سلوتروجيك استشهد بفيلسوفين آخرين من دعاة »مسؤولية الاجيال« وعدم »مسؤولية الجيل الحالي« عن النازية.
كاتبة من دعاة الحرية، كانت تسألني: لماذا تحرمون من التعرض للذات الالهية، او لرئيس او ملك؟ هذا مناقض للحريات..
لكن من يسبر غور اوروبا، يكتشف الها صنما جديدا اسمه اليهود..
اله جند قادرين على رجم من يتعرض له بكل انواع الحجارة.