هل نحن بحاجة لان نحمل مصطلح (الامن الغذائي) مضمونا اكثر بساطة واكثر خطورة؟
اذ ان هذه القضية التي طالما شغلت الباحثين والسياسيين والاقتصاديين، من حيث هي ركن اساسي من اركان الاستقلالية الوطنية، وحرية القرار، قد تطورت اكثر مع مراحل العولمة، واتفاقية التجارة الدولية، لتمس صحة وسلامة المواطنين فردا، فردا.
علما بان هذا التطور لا ينفصل عن المفهوم الاول السياسي العام، لكأن من بيده ان يفرض عليك موقفا سياسيا قوميا او وطنيا، اصبح بيده ان يفرض عليك ماذا تأكل وماذا تشرب.
واذا كانت التبعية الغذائية قد اوصلتنا الى استيراد معظم ما نأكله، بحيث اصبح من السخرية المرة الا تكفي سهول حوران، التي حملت يوما لقب (اهراء روما) في توسع الامبراطورية القديمة حاجة اهلها من القمح، على سبيل المثال.. فان التصدي لعملية التطوير الزراعي، وتطوير الصناعات الغذائية، والثروة الحيوانية، يصبح واحدا من اخطر التحديات .
وكي لا نخوض في الخطير.. او بالاحرى كي لا ننتظر حصول هذا التطوير الضروري الجوهري، حتى ننتبه الى سلامتنا مما نأكل، (فربما قضت علينا الهرمونات والكيماويات، والصلاحيات المنتهية، والمواد الفاسدة)، فان علينا ان نطرح قضية ملحة وخطيرة، هي قضية الرقابة: الرقابة علي المستورد، الرقابة على المنتج، والرقابة على ما يباع.
فلم يعد هناك مواطن واحد لا يعرف حكايات الهرمانات والكيماويات، ولا اظن ان هناك الا القلة، لم تقع يدهم على مشترى منتهي الصلاحية، وليس بين الناس حديث متداول اكثر من حديث المستوردات الفاسدة، فالى متى سيبقى ما يدور بين الناس، بعيدا عما يدور في مراكز القرار السياسي والاقتصادي؟
ومن جهة اخرى: الى متى سيبقى هذا الهم العام بعيدا عن صفحات الصحف ووسائل الاعلام؟
اذكر سلسلة تحقيقات قام بها احد الزملاء في مجلة الافق حول استعمال الهرمونات في تنمية الماشية والدواجن، وفي المستورد منها، واتساءل لماذا كان ذلك الجهد بيضة الديك الاعلامية؟
فهل تقزم دور الصحافة الى مجرد نقل اخبار تبثها وكالة انباء عالمية، تعمل مسوقا لاستراتيجيات الولايات المتحدة او احدى الدول التي تصنع ما تأكل، وتبيع الفائض الفاسد منه لدول (نامية) كي توقف نموها؟
اعرف ان هذه القضية التي تبدو بسيطة هي مسألة بالغة التعقيد لانها تعني التصدي لاخطبوط التجار المحليين، المرتبط تبعيا باخطبوط التجارة الدولية، ولكن الا تستحق صحتنا وحياتنا ذلك؟
هل سقطنا فعلا في مزبلة التاريخ، لتصبح بطوننا ومن ثم خلايانا، مزبلة العالم؟