في حديثه فرحة التحرير لكأنه واحد من ابناء الجنوب، كاتب وصحفي فرنسي صديق كان من اول الاعلاميين الذين دخلوا القرى الحدودية بمعية القوات المحررة.
باعجاب تحدث عن شجاعة وانضباط المحررين، اعاد باسما مقارنة وزارة الاعلام اللبنانية بين تحرير جنوب لبنان وتحرير فرنسا من الالمان، مقارنة كررها بالامس من الخيام رئيس المجلس الوطني للاعلام.
مذكرا بأن ديغول اباح باريس ومتعاونيها للمحررين مدة اشهر، قبل ان يستن قوانين توقف الانتقام، ومذكرا ايضا بظاهرة القبعات التي عمت فرنسا بعد التحرير، لان القوات المحررة حلقت رأس كل امرأة استقبلت نازيا او متعاونا في بيتها.
في حين ان الاوامر صدرت للمحررين من لبنان بعدم مس شعرة في رأس واحد من اهل القرى، وبتسليم اعضاء الميليشيات العميلة للدولة والقضاء.. وفعلا تم الالتزام بكل ذلك.. بشكل يثير الدهشة عندما يتخيل كل منا نفسه مكان جنوبي تعرض للاعتقال، او التعذيب ويعرف جلاده جيدا، مكان كل رجل او امرأة استشهد ابنه او اخوه على يد عميل يعرفه جيدا »قتل ابني امام عيني، وظللت ارى قاتله كل يوم.. ولا املك ان انبس بكلمة.. لكنه اخيرا لقي جزاءه، وها هو قد فر ذليلا..«.
هذا ما قالته امرأة دامعة في حولا على شاشة المستقبل. مكان امرأة تعرضت للاعتقال والاستجواب، فقط لانها عالجت ابنتها في المستشفى، فثار السؤال: من اين اتيت بالمال؟
لكن الزميل القادم، انتبه الى نوع اخر من الاذلال والمعاناة، مرتبط بالجانب الاقتصادي الحياتي، والذي يؤدي الى التمييز بين متعاون ومتعامل.
ثمة فقر، وثمة اناس لا يجدون مكانا للعمل، الباب الوحيد المفتوح امامهم هو العمل في فلسطين المحتلة، لكن، حتى هذا الذل، غير متاح بدون ثمن.. فمقابل كل اذن عمل في اسرائيل، يجب تقديم عنصر الى جيش لبنان الجنوبي، وعندما تشتد الظروف والحاجة على هذا الجيش، يقيم تنزيلات موسمية، فيصبح سعر العنصر الملتحق بالعمالة، بطاقتي التحاق بالذل، اذني عمل. اما من يصر على العمل دون تقديم عنصر للميليشيا، لسبب او لاخر، فان الحل المطروح امامه، ان يدفع نصف راتبه للجيش العميل، اي انه يدفع نصف اجره خدمة لاسرائيل سلميا، لخدمتها عسكريا.. في عملية استعباد بكل ما تعنيه الكلمة، من ذل وقهر وازدراء.. استعباد ليس في نهاية المطاف الا ترجمة مجرمة لايديولوجية ابناء الله المختارين والغوييم، العجماوات المسخرة لخدمتهم.
بالامس، ذكرنا في هذه الزاوية، بسلسلة التعويضات، ما يزال اليهود يبتزون بها اوروبا منذ الخمسينات، بناء على جريمة هولوكوست وهمي، يسخرون كل قواهم القامعة كي يخرسوا الاصوات العلمية التي تثبت كذب روايتهم اليهودية.
واليوم، وكل يوم، تكشف لنا حكاية من حكايات الجنوب المحرر، بندا جديدا واقعيا ومثبتا، في قائمة التعويضات التي يجب على الحكومة اللبنانية ان تطالب بها احدها وابسطها حقوق هؤلاء العمال المستعبدين.. تليها حقوق الصيادين، الذين رأيناهم للمرة الاولى في الاعلام، وسمعنا حكايات تخريب اشيائهم وقطع ارزاقهم على امتداد خمسة وعشرين عاما.
والقائمة طويلة.. طويلة..