خطاب ذكي

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 29-05-2000

كلما سمعناه اكثر، اقتنعنا ان نجاح قيادته لم يكن عبثا.

فليس النقاء الاستشهادي، والاعتداد الوطني، والايمان الديني، ما يميز وحده حديث السيد حسن نصرالله، ثمة ما هو اهم، وضوح الرؤية، والسمو اللذان يتجليان ببساطة تلقائية في الاداء، لم نعتدها لا من رجال السياسة ولا من رجال الدين، وربما افتقدها الشارع العربي، منذ ايام عبدالناصر، حيث شكلت يومها احد اهم عناصر جاذبية خطابه.

وضوح الرؤية، سواء بالنسبة لدور ومستقبل حزبه، ام بالنسبة للداخل اللبناني، ام بالنسبة للصراع العربي الاسرائيلي في بعده القومي، وفي مركزية قضية فلسطين داخله، ام بالنسبة للسياسة الخارجية، والعلاقات الدولية، التي بدأها امس، بأول اتصال رسمي علني بعد الانتصار، ومع السفير الفرنسي، في ضربة موفقة مسحت، دون كلام، اتهامات جوسبان بالارهاب.

الارهاب.. ومسح الصفة الارهابية، عن حركة مقاومة وطنية، هو ما يبدو واضحا، ان نصرالله وحزبه يضعانه في قائمة الاولويات، ولكن دون ارتداء فروة حمل مساق للذبح، ودون التخلي عن الحقوق الجذرية، ليس في لبنان وحده وانما على صعيد القضية كلها.

»لقد خسرتم العرب ولم تربحوا اسرائيل، لان اسرائيل مرتبطة عضويا بالولايات المتحدة، مما لا يعطي مجالا لدور اوروبي او فرنسي في المنطقة«.

هذا ما قاله نصرالله للسفير الفرنسي، في خطاب المصالح، الذي لا تقوم على سواه العلاقات الدولية.

لكن اذا كان اللعب على اكثر كلمتين تثيران حساسية العالم الغربي: الاصولية والارهاب، هو ما يلجأ اليه الاعلام الغربي المتهود، لاثارة الرأي العام، وتوجيه مواقفه، وكان خطاب السيد نصرالله، الهادىء، المنفتح، الذكي، ردا ممتازا عليه، فان ثمة ردّا اخر، واقعيا، اعلاميا، لا بد من التركيز عليه، وهو انصهار الاحزاب، العلمانية، والدينية، واليسارية، في سياق عمل المقاومة على الارض اللبنانية.. صحيح ان حزب الله قد حمل الراية في المرحلة الاخيرة، لكن عمر المقاومة في الجنوب يتجاوز ضعفي عمر هذا الحزب، بدأها المواطنون الجنوبيون بتلقائية غير منظمة، ويذكر جيلنا جيدا، مزارعا قاوم دورية اسرائيلية ببندقية صيد لمدة يوم كامل، وقتل منها عدة عناصر قبل ان يستشهد، وذلك عام 1971، وعندما اتضح في تشييعه انه ينتمي الى الحزب السوري القومي، تحركت الاحزاب الاخرى لدعم توجهات مماثلة، لكن مجيء المقاومة الفلسطينية الى الجنوب، جعل الاحزاب وسكان الجنوب، يفضلون الانخراط في صفوفها والعمل تحت لوائها، واذا كانت القيادة الفلسطينية، قد ارتكبت هناك اخطاء لا تغتفر، وليس هنا مجال استعراضها، فان ذلك لا يمس بأي شكل طهر الدم العربي، والجهد النضالي الذي روى ارض الجنوب وروح المقاومة فيه.

وبعد الاجتياح الاكبر عام ،82 وعندما تراءى للجميع ان لبنان العربي المقاوم قد انتهى، وانه اول خطوة كيسنجرية تسقط في هاوية الاستسلام، كان القوميون السوريون هم اول من كسر هذه الصورة، بدءا من عملية شارع الحمراء، التي شكلت الشرارة، التي اشعلت سلسلة العمليات الاستشهادية في الجنوب، وهنا تفجرت اضواء الكاميكاز من صفوف جميع الاحزاب، الشيوعي، الاشتراكي، البعثي حركة امل، وسواهم.. وارتقت القائمة وتشعبت لتضم جميع الطوائف، وجميع الفئات، وجميع المناطق. كانت شهادة الدم اكبر من جميع الانقسامات التي افتعلت الحرب خمسة عشر عاما لتكريسها، في هذه الارضية الخصبة نما حزب الله، وكبر مستفيدا من عاملين مساعدين: تطوير بناه الذاتية، على صعيدين متلازمين الاول: التخلص من التزمت الجاهل، والاصولية المتخلفة التي كانت تجعل بعض عناصره يقتلون مناضلين اخرين لمجرد انهم يحملون كاميرا، »على اعتبار انها حرام« والثاني ربط البعد النضالي بالبعدين الاجتماعي، والثقافي، مستفيدين من ذلك من الدعم السوري والايراني، وكان الجزاء الاكبر ان ولد التحرير على يدهم.

هذا الواقع الجميل، هو ما يجب التركيز عليه، وليس اغفاله والتركيز على فئة واحدة، الا لغاية اضفاء صفة الاصولية الدينية على الانتصار اللبناني كله.

ان التركيز علي ادوار الاحزاب والفئات الاخرى »خاصة العلماني منها” يخدم حزب الله نفسه، ويخدم لبنان، وحالة المقاومة العربية كلها.

لقد كانت المقاومة مختلطة، وكان جيش لبنان الجنوبي مختلطا “بمعنى انه ضم جميع الطوائف« اذن فقد كان الوطن بتعدديته هو الذي يقاوم العدو والمتعاونين بتعدديتهم.. وهو الذي انتصر..

هذا ما يجب قوله، احتراما للحقيقة، وتبنيا لخطاب ذكي مفيد للجميع.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون