كلنا كنا ندق جدران الخزان.. كلنا نختنق داخل سجنه وحره، بخاره وعتمته..
لكلنا، ابوالخيزران، بل ان لكل ابا خيزرانه.. لكن ثمة ايد نجحت في تفجير جدران الخزان، في مواجهة وجه الشمس، في جعل صرخة الحرية تزلزل سطح الصحراء، يتشقق، تتفجر منه ينابيع وسواقي، يعشب ويخضر، وينحسر قيظه..
عمن منهم تكتب؟
كتلك اللقطة البليغة التي تكررت على شاشات التلفاز: ليد تمتد وحدها، نافذة الصبر، من الشق الضيق في باب السجن، لتصافح الايدي المندفعة لتحريرها، بينما يغلي مرجل المعتقلين التائقين وراء الابواب.. افكارنا التي تنجح في النفاذ من شقوق الصدر لتصافح الورق..
فكل ما نقوله، ما نكتبه، لا يتجاوز نسبة اليد الى الاجساد التي ما تزال في الداخل..
ثمة فرح.. ثمة اعتزاز.. ثمة غصة.. وثمة خوف.. وكله يمتد في اللامحدود.
ثمة وجوه تنفرش بين الجفن والجفن، تطلق كشافات دمها في مساحة العين ومساحة الروح.. تمد يدها هي الاخرى من بين كل حبة وحبة من تراب الجنوب، لتلوّح وتصافح وتهزج.. انه قطاف دمها المنزرع!
لهذا اليوم ضحكة سناء محيدلي العائدة الى شاشات الاعلام والحضور، وابتسامات ابطال القافلة الممتدة منها الى هادي نصرالله، بل ومن قبلها الى ما بعده، مرورا بجميع الاحزاب، بجميع الطوائف، بجميع المناطق بل ومتجاوزة لبنان الى اقطار عربية اخرى..
اجل، كان حزب الله، بمقاتليه الابطال، وبقائده المشع، القابلة التي ولد على يديها التحرير.. لكن الحمل كان طويلا طويلا وهذا ما لا يجوز التنكر له: فقد حملت خمس وعشرون سنة من المقاومة تواقيع عديدة ذيلت كلها صفحة واحدة، هي صك ملكية شعب لارضه..
لذا لا يجوز ان يسقط الاعلام، عن قصد او عن غير قصد، في اغفال تاريخ الفصائل والاحزاب الاخرى في النضال، وكلنا نذكر، كيف انه عندما فجر القوميون السوريون سلسلة العمليات الاستشهادية في الجنوب، لم يلبث ان اندرج في سياقها شهداء ابطال من الاحزاب والتنظيمات الاخرى.
لقد جاء الانتصار العظيم الحالي، ثمرة تراكم نضالي تاريخي طويل، ساهم الجميع في اقامة هرمه، وهو انجاز لم يكن ليتحقق لولا اول انسحاب اسرائيلي من بيروت، ومن جزء من الجنوب، لولا اسقاط اتفاق 17 ايار، لولا صمود الشعب المضروب في مائه ونوره، في لقمته واستقراره.
بل لولا تأثير الشحن الذي مثلته الانتفاضة الفلسطينية، والمصل السوري في شرايين المقاومة اللبنانية..
بل ولنعد الى ابعد، لولا خروج جماهير مصر بعد النكبة رافضة استقالة عبدالناصر ورافضة الهزيمة، مما اسس لمرحلة حرب الاستنزاف.
ولولا عمليات المقاومة الفلسطينية ايام كان ابوالخيزران لم ينجح في اقفال الخزان، والتي شكلت قوة بخارية متفاعلة في محرك النضال العربي.
انها مداميك، تتالت وارتفعت، وقد كان من شأنها ان تبلغ مآلها بشكل افضل، لولا الانهيارات، والتراجعات والمؤامرات التي تخللتها.
وهذا التراكم النمائي هو ما يفترض التركيز عليه، لان حزب الله ليس فطرا نبت من فراغ.
واذا كان الاعلام اللبناني، بل وحتى السيد حسن نصرالله نفسه لم يغفلا ذلك ابدا، فان الاعلام الغربي، ومن ورائه بعض وسائل الاعلام العربية، يصر على حصر المسألة بحزب الله، وتصوير الحزب كمجرد حركة اصولية، لاضفاء هذه الصفة على المقاومة كلها، وعلى الانتصار كله، مما يضعف كثيرا فرص التعاطف الدولي معه.
لذلك لا بد من التركيز على ما هو واقع، وهو ان المقاومة هي مقاومتنا جميعا احزابا وفئات بل وطوائف، الم يتبين ان جيش العملاء المهزوم لم يكن طائفيا في تركيبته، كما كان يشاع، وان 70% من عناصره ليسوا مسيحيين؟
لذا فان الهزيمة هي هزيمة العدو وعملائه، والنصر هو نصر الوطن بكله..