ما حصل.. سيحصل

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 09-04-2000

“ما يحصل في اميركا اليوم، سيحصل لدينا في اوروبا غدا”.

»وما يحصل في اميركا واوروبا اليوم سيحصل لدينا في العالم العربي غدا«.

واذا كان الباحث ايمانويل راتييه قد فسر، بالعبارة الاولى، اهتمامه بتتبع لوبيهات القمع الفكري والضغط السياسي والثقافي والاقتصادي، وترجمة هذا القمع عبر منظمات ارهابية سرية تمارس ابشع انواع الاعتداءات، في الولايات المتحدة الاميركية، لقناعته بان هذه الحال ستنتقل الى اوروبا.

»وذلك ما عرضناه في عدد »الدستور« ليوم امس، في الحلقة الثالثة من كتاب محاربو اسرائيل«.

واذا كانت الحلقات التالية من عرض الكتاب ستبرهن لنا تحقق توقعات راتييه، على الصعيد الفرنسي خاصة والاوروبي عامة، حيث سيفاجأ القارىء بعدد وحجم الميليشيات اليهودية، كما بعدد وحجم عملياتها الارهابية »72 عملية« معلنة خلال ثمانية عشر عاما، في فرنسا وحدها، كما سيفاجأ بعمق الارتباط المزدوج لهذه الميليشيات، باليمين والحكومة الاسرائيليين من جهة، وبالحكومة المحلية »خاصة وزارة الداخلية« من جهة اخرى.

اذا اضفنا كل ذلك، الى ما تحمله لنا الانباء، في ذات السياق، كل يوم، عما يحصل في بولونيا، او في النمسا، او في المانيا، او في بريطانيا.

فان العبارة الثانية، في استهلال هذا المقال، تصبح مبررا قويا، بل وموجبا منطقيا يحتم علينا البحث، وتتبع هذا النشاط الضاغط »لوبيهات« والارهابي »ميليشيات« في كل العالم، لمعرفة حقيقة العدو، الذي لن يلغي السلام الرسمي، وانتهاء حالة الحرب، اصراره على السيطرة والتسلط، بل سيدعم هذا الاصرار، ويدفعه الى مجالات لم يكن له ان يخترقها ويتدخل فيها سابقا، وبشكل خاص المجالين: التربوي، والثقافي – الاعلامي.

الاصرار على تعديل المناهج التربوية بات واحدا من اكثر المطالب الاسرائيلية الحاحا ووقاحة، ودخولا الى التفاصيل.

كما رأينا ان البنود التي سربتها اسرائيل »او الولايات المتحدة« للتصور الاسرائيلي لاتفاقية السلام مع سوريا، تتضمن منع جميع الكتب والمطبوعات ذات الصفة العدائية، او »التحريضية« ومنع الايديولوجيات المعادية.

واذا كان هذا المطلب، يبدو بعيد المنال في المنظور القريب، حتى ولو تضمنته الاتفاقيات الرسمية، فان ممارسة الضغوط لتطبيقه في المدى البعيد، ستكون امرا حتميا.

ومن هنا فان قراءة متمعنة لكتاب راتييه سواء في حلقاته الملخصة في الدستور، او في نصه الكامل، من شأنها ان تضيء لنا طبيعة الاساليب الارهابية التي يمكن ان تتم بها عمليات القمع، وطبيعة الشرائح والاشخاص والمؤسسات التي يمكن ان توجه ضدها هذه العمليات.

ولنعد الى الحلقة الخاصة بالولايات المتحدة نفسها »ولن يختلف الامر كثيرا في الحلقات المتعلقة باوروبا« لنجد ان الاحصائية مثلا خرجت بالتوزيع التالي 78% وضع قنابل، 16% اطلاق نار واغتيالات، ويليها افتعال الحرائق، والتكسير، والضرب.

كما نجد في الاساليب، زرع الرعب لدى كل فئة اثنية او طائفية من الفئة الاخرى، ودعوتها الى التسلح لحماية نفسها.

استغلال التباعد بين السود والبيض، السود واليهود مثلا، استغلال بعض الفئات الدينية المتزمتة، انشاء او كسب او اختراق مؤسسات ثقافية واعلامية وفنية، »دور نشر – صحف – مسارح الخ« وجعلها تقف في خط الدعم المطلق.

استغلال موهبة بعض الافراد، خاصة في الكتابة والخطابة والعمل السري، وفي هذا المجال الاخير، نرى قادة الميليشيات المذكورة، يعملون بأكثر من اسم ومع اكثر من تنظيم، خاصة التنظيمات المتطرفة المتناقضة، لتعزيز تطرف كل منها ضد الاخرى وصولا الى خلق مبرر للتطرف اليهودي.

تشكيل منظمات سرية للاغتيالات المنظمة والمحترفة وتبرير ذلك بان اسرائيل تقوم باغتيال زعماء منظمة التحرير.

اما الجهات التي تركزت ضدها هذه العمليات، فهي بشكل اساسي:

– المؤسسات التابعة لدولة، ثمة مصلحة لاسرائيل في اثارة العداء بينها وبين الدولة.

– الاحزاب، اليمينية او اليسارية التي تتخذ موقفا معاديا لاسرائيل، او متناقضا مع مصالحها.

– مؤسسات وشركات عربية، خاصة تلك التي تمتلكها دول او افراد غير مؤيدين لاسرائيل.

– اغتيال شخصيات عربية، خاصة من المثقفين والكتاب والاساتذة الجامعيين.

واخيرا، وربما اكثر من كل هؤلاء، تركيز العمل الارهابي على جماعة المؤرخين المراجعين، والمؤسسات التابعة لهم والباحثين العاملين فيها، والناشرين الذين يتجرأون على نشر هذه الابحاث، والمطابع التي تقوم بطباعتها.

ولا نحتاج لاكثر من العودة الى تصريحات موردخاي ليفي، ضد البروفسور جورج اشلي، بعد عدة محاولات لاغتياله: »لقد حذرناه من انه اذا تابع ابحاثه فسيدفع الثمن غاليا.. وان لم يقم مجلس الجامعة بمعاقبته.. فسنفعل نحن..«، كي نتخيل اية صورة مستقبلية، سيتعرض لها باحثون يعملون على اظهار حقائق علمية، تزلزل اية اسطورة من الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية، او تفضح اية اكاذيب تبثها الدعاية الصهيونية.

فاذا كان ذنب هؤلاء المؤرخين والباحثين، انهم يتعرضون لاسطورة الهولوكوست، مما يزلزل قاعدة من قواعد الابتزاز اليهودي للغرب لصالح اسرائيل، فان مصير باحث مؤرخ او اركيولوجي عربي يتعرض مثلا لاسطورة الشعب المختار، او الارض الموعودة، او يبرهن من خلال الواح ايبلا، او مخطوطات البحر الميت او نصوص بابل وسومر، ان التوراة اليهودية منقولة عن سابقة لها.. مصير باحث كهذا لن يكون افضل.. ومثله مصير استاذ يدرس طلابه صلاح الدين، او عروبة القدس، او حتى حكاية عزالدين القسّام.

واذا كان اشلي، ليس الوحيد الذي تعرض له الارهابيون في الولايات المتحدة ولا في اوروبا. كما ان حريق مؤسسة الابحاث الذي قضى على اكبر مجموعة من الكتب واشرطة التسجيل، ومثله حريق المطبعة ودار النشر، قد تلته عشرات العمليات المشابهة في اوروبا..

يذكرنا باستهداف مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ايام النشاط البحثي فيها..

وينبهنا الى ان هدم الجدار دفع سيل مواجهة من نوع اخر، مواجهة علينا ان نعد لها، بالوعي، بالتضامن الشعبي المؤسساتي “وتجربة مصر خير مثال” بالتعرف الدقيق الى ما يجري في دول اخرى، وبمد اليد، الى الفئات التي تشاركنا الموقف من الحقيقة والعدل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون