طفل خطفته أمه من كوبا…
وطفل خطفته أمه من عمان…
الأول تحول الى قضية سياسية، دخلت حتى الانتخابات الرئاسية الاميركية، تحت غطاء المشاعر الانسانية…
والثاني، لا يخفي تحت الغطاء نفسه، تململاً سياسياً حضارياً، انتهى بالانتصار الوحيد الذي حققناه على الآخر الاميركي والغربي الذي تجسد في تلك الأم، التي قد تكون مسكينة، على الاقل بمقياس المشاعر التي تمليها أمومة أي امرأة منا…
الاميركيون الذين قضوا بانتزاع الطفل من أمه التي على قيد الحياة، هم انفسهم يزايدون على قضية اعطاء الطفل الآخر لخاله بدلاً من أبيه بعد ان غرقت أمه في مياه اغراء جنة الليبرالية الأميركية في مقابل لوحة الجحيم الكوبي، كما يرسمها الغرب. ووسائل الاعلام، تنشغل بالاثنين كما لا تنشغل بقضية القدس…
مضحك مبك هذا الهراء..
حتى ولو كان الطفل الأول، كرة يضرب بها حائط النظام الكوبي، وجرساً يعلق فوق صورة كاسترو، وكان الطفل الثاني (ولنا نحن فقط) انتقاماً مكبوتاً في صراع بين ثقافتين وحضارتين لا يوحدهما حتى طفل مشترك، ولا يلغي تناقضهما، حتى الحس المشترك بين كل المخلوقات التي تلد… فعلى ظهر صورة فرحة أسرة الاب التي حملتها الصحف، صورة مقابلة لحرقة أم. أم اننا نعتقد ان الأم الغربية تحمل في كيس بلاستيكي خارجي، وتلد بدون آلام، وتنظم أمومتها بعقد؟ وكيف تكون القريبات الضاحكات المبتهجات في الصورة، أقرب الى هذا الطفل المسكين من أمه؟
انها تجربة تستحق اعادة النظر في سباق اجتماعي كامل، معقد، ومتشعب… وذاك ما لا اريده الآن. لأن في ذهني صوراً اخرى تتداعى.
من تلك الأقاصيص الاولى التي سمعناها منذ ان سمعنا عن شيء اسمه فلسطين، عن أم خلط الرعب بين طفلها والمخدة، في ويل الهرب… الى التعبير الاكثر عمقاً وابداعاً عن الحالة ذاتها في رواية غسان كنفاني: عائد الى يافا.
الى زيارة للمستشفى الاسلامي في عمان عام 1988، لعيادة اطفال الانتفاضة، وعبارة حفرت في روحي يومها، قالها احدهم من انه يشعر بالتحسن لان أمه وصلت بالامس من الضفة لترافقه…
الى وقفة أمام أم وأب الشهيد علي طالب، في عكار لبنان، ابن السبعة عشر ربيعا، الذي فجر نفسه في الجنوب، مع رفيقة له تحمل اسم: ابتسام…
الى آلاف بل ملايين الاطفال، الذين اختطفهم التشرد (لا أمهم) من وطنهم ليرمي بهم في دوامة دائرة، تمد رجلها لتطأ الارض فلا تؤول الا الى علامة استفهام هلامية.
وهؤلاء الاميركيون، الذين تتفجر انسانيتهم وعدالتهم فيعيدون خليل الى ابيه، ويحارون في أمر اعادة ايان، حيرة، لا بأس ان تطول ليسمع العالم كل يوم ان هناك من يهربون من فيدال كاسترو، الديكتاتور الذي يتسبب في غرق أم وضياع ابنها..
اوليس من يخبرهم بأن أمنا (ونحن شعب بنى حضارته على ان الارض هي الأم الكبرى) قد غرقت منذ نصف قرن… وكلما حاولنا انتشالها كسروا ايدينا؟
وان مئات الآلاف من الآباء والأمهات في بلادنا، اضاعوا اولادهم وسدت في وجوههم طرق البحث عنهم…
ان حلم النعيم الغربي، في مقابل جحيم داخلي صنعوه بحصارهم، يحمل كل يوم آلاف العراقيين الى بحر الهجرة.. ليغرق بعضهم كما أم ايان، وليصبح الذين يصلون، مثله، ضائعين، ومادة للمساومة والضغط…
وأخيراً…
ان ما باتوا يسمونه بقضية اللاجئين، واحدى آخر الضربات القاضية في »الحل النهائي« ان هي الا قضية ايان ولكن بستة ملايين ابن لا يسمح باعادتهم، لا لابيهم ولا لأمهم… ويصر الانسانيون، على ايجاد خال يتبناهم وينهي المشكلة.