“لا ترفع شعارك اذا كنت لا تنوي السفر”.
ككل الشباب عشقت الشراع، اذ نشر لي الحلم، وعلمني ان خط الافق وهم، سراب.. وان الافق ان هو الا امتداد لا خط له.. باحة حياة لا يحدها الا مدى التوق، شغفا، متجددا، متوالدا، فضاءات تفضي الى فضاءات، واسئلة لا تودي بهجة عناق اجاباتها، الا الى اشتعال اسئلة ابدية التوالد.
نارا تكفلت ابدا ببخار القطار..
وما زلت رغم السنين والمطارق، وشيب ينسل حييا رؤوفا الى حيث كنت تداعبين بالسبابتين، طفلة الذكرى، اعانق شراعي، انشره فينشر شعري، اتحدى صدر الهواء بوجهي، اخترق عنفه، فيصفعني حرية، يحملني بعيدا عن جسدي المتعلق بصارية الشراع.
اجمل ماضي رحلتي، انني لم افقد يوما بوصلتي، لم اسقط في فم حوت، لم اضع في مجاهل البحر، لانني لم اضع يوما وجهك المنعكس من اعماقي على مرآة الريح امامي.. على جناح شراعي.
وجهك الذي تزاوج دائما في اعماقي مع وجه شجرة، وجه ينبوع، وجه غيمة ماطرة، وجه الدفء.. وجه ارضي ووجه اولادي.
اصبحت اما فاصبحت انت
وفيت لامومتي فوفيت لك
وفيت لوطني فوفيت لك
احببت الارض اكثر مذ تعلمت من الاسطورة الاولى، انها الام الكبرى.
وعرفت كيف اصوغ ملامح انوثتي، صياغة عشتارية مشرئبة، مذ تعلمت كيف تكون الام انثى والانثى ام.
عرفت كيف احب اولادي اكثر مذ عرفت ان اغلى ما علي ان اورثهم اياه: البوصلة التي اورثتني اياها.
عرفت ان اغلى ما علمتني، ان ارث البوصلة لا يعني تحديد الجهات.. وان ضمانة الاستدلال تكمن في شبع من الدفء.. وشحن من الحرية.. واكتناز من الكبرياء.. وخزين من الحكمة.
في مركب رحلتي الطويلة، لم احمل الا صندوق قلائدك: »اذا وقع نصفك على الارض، فلا تلتفتي اليه.. انصرفي الى النصف الواقف..«.
هل كنت تعرفين مبكرا، كم ستوقع مناجل الحياة من قطع.. وكم هي قدرة الجسد المشبع بالروح ان ينمي بدائل افضل.
هل كنت تدركين، ا نك وضعتني في وطن قدره جروح مفتوحة ينزف منها خلاياه، فيصبح قدر هذه الخلايا ان تعيش عناء البحث عن عودة الى الشرايين بطريقة ما.. او التيه بين اجساد غريبة والموت على بلاط الضياع.
هل كان لك ان تختاري تاريخ ميلاد يجعلني من اتراب الكوارث والمحن، في امتي، ومن ابناء جيل قدر امهاته البعد عن اولادهن.
اتجول في غابات زرعتها شجرة، شجرة، اقطف سلالا تره من على اغصانها، واخوض معاركي مع القرش والحيتان، والرياح العكسية، احضن احلامي واطفالي الذين لم يعودوا اطفالا واغوص في شوق حارق عميق الى شجرة اللوز الربيعية، التي تزهر هذه الايام على شباكك، الى سلة تين عسلية من الحاملة لبروده والفجر على شرفتك، الى معركة صغيرة من تلك التي اخوضها مع اطفال الجيران لا تلقى بعدها عقوبتك، تداري ضحكة حائرة.. الى رمي كل ما في حضني والارتماء في حضنك.. الى احتضان يدك المعروقة وقبلة: كل عام وانت بخير.