من المهد، الى مصر، الى الناصرة والقدس وجدارا وقانا… الى كل موقع كرسته الأناجيل على هذه الارض، كانت خطى السيد المسيح قبل أن تختتم على طريق الجلجلة.
في المهد دلكت امه جسده الطفل، بزيت زيتونة، من تلك التي ما تزال قائمة تدر زيتاً، حمى وبارك اجساد كل اطفالنا آلافاً من السنين.
وبعد المهد، كان المسيح الطفل يلعب الكرة مع جدي، ويتعمد على يد يوحنا في مياه الاردن.. وينشر رسالته ورود محبة على كل بقعة من هذه الأرض.
طبيعي اذن أن يحج رأس احدى كنائس المسيح اليها..
وطبيعي ايضاً أن يسلك طرقاً سلكها سيده، ويزور اماكن شهدت رسالته.
طبيعي أن يختار المهد، الجلجلة، القيامة، زيتون الجسمانية، الناصر.. ومثلها جدارا، المغطس، مكاور، كنيسة الخريطة، أو كنائس جرش، قانا الجليل او عجلون…
طبيعي تماماً أن يقول “إنني اريد أن اسير على خطى السيد ورسله”.
أن يحاول حمل عبور طريق الجلجلة.. وأن ينتبه الى أن أهل المسيح، شعبه هو الذي يستأنف اليوم مسار الجلجلة، والصلب منذ نصف قرن.. ولا قيامة.
أما أن يعلن رأس الكنيسة المسيحية بأنه ينوي “السير على خطى شعب مؤمن” قاصداً بذلك اليهود، وان تأتي خطط زياراته بعد ذلك تطبيقاً فعلياً لهذا الاعلان: من إبراهيم واور الى موسى وسيناء، الى النبو..
فلأمر يثير المرارة، ويثير السؤال الصعب حول تمثيلية قداسة البابا، وتهويد المسيحية.
أو ليس البابا، ممثلاً للمسيحيين او لجزء منهم على الأقل؟
أوليست خطى المسيح هي التي يجب عليه أن يتتبع؟
أوليست المسيحية الرسولية هي ما يجب عليه أن يكرس؟
أهو المسؤول عن تثبيت مفاهيم اليهودية، (هذا بصرف النظر عن الاشكالات التاريخية المحيطة بهذه الروايات والمفاهيم)؟ وحتى رسالة المحبة والسلام…
او تقتضي تثبيت رحلة مشكوك بأمرها لليهود، مما يفضي الى تثبيت ما بنوه عليها من ادعاءات حقوق، ام يقتضي تثبيت المحبة، والمساواة بين جميع البشر، اللتين دعا اليهما “ابن الانسان”.
أوليست “ابن الانسان” هذه نقضاً اساسياً لمفهوم طبقية “ابناء الله، وأبناء الانسان”؟
البابا يمثل المسيح، فأولويته في مصر اذن، هي كنيسة المغارة حيث اختبأت أسرة المسيح هاربة به من أمر، دفع اليهود الوالي الى اتخاذه، بقتل جميع أطفال بيت لحم، كي يضمن موت يسوع من بينهم.
والبابا خليفة الرسل، اذن فأولويته الأخرى في مصر هي مكان استشهاد مرقص الرسول في الاسكندرية التي ظلت تشهد على امتداد مئات السنين صراعات دامية بين المسيحيين واليهود، يعتدي فيها هؤلاء على أولئك كلما حاولوا ممارسة شعائرهم الدينية.
أما في الاردن، وقبل العبور الى ارض فلسطين، فأمام الحبر الاعظم أكثر أن يصعد الى جدارا، لينظر من هناك الى طبريا، مستذكراً كيف طرد سيده الارواح الشريرة من المجنونين، فدخلت جسد الخنازير التي هربت الى طبريا، تنتحر او تغتسل من رجسها..
ان يختار مكاور، ويصلي لرأس يوحنا المقدم على طبق الخيانة، ثمناً لخلفه.. يوحنا الذي وصفه المسيح بأنه اعظم من ولدته امرأة.
ان يزور كنائس جرش، مادبا عجلون.. وأن يهبط الى المغطس (وهذا ما لم يفته)… ان يسأل في المغطس عن دلالة القرابة بين العثور على عامود طقسي هناك، والطقس العامودي الذي عرف في شمالي سوريا كطقس شرقي محلي. وعنه انبثق مار مارون، والدعوة المارونية التي قامت على اساس استقلالية كنيسة “انطاكية وسائر المشرق” عن روما وعن أثينا معاً، لأنها هي، ينظر أهلها، كنيسة المسيح الأصلية.
(وهو الأساس الذي لم تجد عنه الكنيسة المارونية إلا قبل اقل من قرن).
خطى كثيرة، لرأس الكاثوليكية ان يختار بينها.. فلماذا النبو؟
ألا أنه الموقع المرتبط بدعوى يهودية، (سنعرض في مقال لاحق لتفصيلاتها التاريخية)؟
اسئلة، قد تبدو تفصيلية متأخرة عن الصاق الغرب مصطلح “اليهودية – المسيحية” بالثقافة المسيحية.
كما يبدو “السير على خطى شعب مؤمن” نتيجة منطقية لاستبدال روما دعاء الاستغفار في صلاة الجمعة العظيمة:
” يا رب اغفر لليهود الذين صلبوا المسيح”.
بـ : “يا رب اغفر لليهود الذين كانوا اول من تكلم اليهم الله”.
ويبقى السؤال الأهم:
ما الذي يفعله هنا مسيحيو هذه البلاد، أحفاد اخوة المسيح؟…