الوضع الطائفي جرح قائم في صدر كل لبناني، خاصة الاجيال الشابة، لكن مشروع العلمانية او لنقل اللاطائفية، قد اقفل بالشمع الاحمر مؤقتا، ووضع الختم عليه في الطائف.
هذا هو الواقع الذي اعترف به مسؤول لبناني خلال لقاء له مع مجموعة من الشباب الاردنيين.
وهو اعتراف يقود الى تقرير واقع اخر، وهو ان رفض لبنان القطعي لتوطين اللاجئىن الفلسطينيين يرتبط بالخوف من ان يؤدي اي اخلال بالتوازن الطائفي الى تفجير جديد..
ببساطة اكبر.. الفلسطينيون في لبنان سنة، ولذلك فان تجنيسهم يقلب التراتبية المألوفة موارنة – شيعة – سنة، ولذلك فان الاغلبيتين ترفضانه بشدة.
كان من الجيد ان نقول بأن لبنان او سواه يرفض توطين لاجئيه، لانه لا يقبل التنازل عن ارض فلسطين، وعن حقهم في ارض فلسطين.
لكن الصدق يقتضي ان نقول – اذا امتلكنا الجرأة – بأن رفض الدول العربية للتوطين، يعود لدى كل منها الى اسبابه الخاصة التي قد يكون من احدها مثلا الحرص على احراج ياسر عرفات اكثر من الحرص على احراج اسرائيل.
لكن هذا الواقع بتنوعه: لبنان الواقف على »ساق ونصف« وسواه من اصحاب المخاوف الاخرى او المطامح الاخرى، لا يغير شيئا من كون الفلسطيني هو ابن قطر عربي، مثله مثل لبنان او مصر او العراق او السعودية مع فارق بسيط هائل هو ان ارضه محتلة.
وما من قطر عربي الا ويحتضن عددا كبيرا من مواطني الاقطار الاخرى.
وما من قطر عربي الا ويتوزع مواطنوه على اراضي الاقطار الاخرى.. دون ان يخسر اي منهم جوازه والحقوق التي تمنحه اياها اقامته وحقه بالعودة الى بلاده متى شاء.. وكذلك حقه بالتخلي عن جنسية اولى واكتساب ثانية.
فهل يبدو من باب الطفولة السياسية ان يصل التعامل مع العربي الفلسطيني الى هذا المستوى؟
خاصة متى اصبحت له دولة معترف بها كسائر الدول العربية الاخرى.
طبيعي ان هذا الطرح البسيط هو اقصى التعقيدات التي يمكن ان يقبل بها العدو الاسرائيلي ومن وراءه لان »حق العودة« محفوظ ومسجل باسم من عبروا لمدة خمسين سنة قبل الفي سنة، ومحظور على من عاشوا وتعايشوا وتوالدوا واستمروا طيلة خمسة الاف سنة..
ولان الخوف الحقيقي على التوازن الديمغرافي هو ذلك القائم في اسرائيل، لانه ليس مجرد خوف على توزيع طائفي داخل شعب واحد وانما خوف على توازن قوى بين محتل وصاحب ارض.
لذلك تتجه المخططات المشبوهة كلها الى عملية تذويب يسمونها “توطينا” ليست في واقع الامر تذويبا للاجئين وانما للقضية، للارض، وللحقوق.
وكثيرا ما يتجاوب اللاجئون انفسهم مع هذا التذويب لانهم سئموا معاناة »الوثيقة« والحياة على هامش الحياة لكنهم لم يصلوا الى هذا السأم لولا سياسات القيادات التي لم تخدم شيئا كما خدمت تعميق اليأس وليس كاليأس دافع للقبول بأي شيء.
من هنا، قد يكون في عودة اي شكل من اشكال التضامن العربي باب من ابواب دفع اليأس خاصة بعد ان نفض الامل عن رأسه رماد الموت ولو لمحة.. متحديا من بير زيت او من جنوب لبنان نعيه المدوي.. تحد لم تبخل علينا به روح هذا الشعب المتقدة على امتداد السنوات التي حاول الجميع خلالها اقناعنا بموتنا.