هل الله ضد المرأة؟ احتل هذا السؤال، وبالحرف العريض، غلاف العدد الاخير من مجلة الاكسبرس الفرنسية، ومعه ثلاث كلمات بحرف اصغر: اليهودية، الاسلام والمسيحية.
مقدمة الموضوع، بنيت على احداث واقعية: تحريم الكنيسة لحق الاجهاض، تحريم الحاخامات اليهود المتشددين حمل الهاتف النقال على النساء، رفض البرلمان الكويتي المرسوم الاميري القاضي بمنح المرأة حق الانتخاب، وقتل شاب اردني لشقيقته فيما يسمى »جريمة شرف« »يحميها المتدينون الاسلاميون والقانون الجزائي الاردني« بحسب تعبير المجلة.
واذا كان في هذه المقدمة خلط جوهري كبير بين ما تكرسه المفاهيم الدينية في حقيقتها واسسها العقدية، وما يكرسه واقع اجتماعي متخلف، او تفسير اكثر تخلفا لهذه المفاهيم و.. سيدة الورود والزنابق.. التي يحتفل لها في بداية الربيع بنشيد:
اليك الورد يا مريم
يهدى من ايادينا
هلمي واقبلي منا
عربون حب اكيد، مع امانينا..
من جهة اخرى هي »التائبة« الجميلة، المتجوهرة بنار الحب الالهي: المجدلية، ورابعة العدوية..
هذا الحضور الجميل، لا يقابله في التوراة كلها، الا راحيل المومس الخائنة، واستير التي توقع ملك العدو في غوايتها، وحتى ساره التي يدعي زوجها انها اخته عندما يلاحظ اعجاب فرعون مصر بها.
وحتى الاخريات فهن »الزوجات الغريبات« اللواتي تسقط عليهن اللعنات لانهن حملن عبادة آلهتهن الى اليهود، ومنهن ايزابيل »ايزاب ايل« ابنة كاهني عشتار في صور، التي ما ان يموت زوجها الملك حتى يقتلها اليهود شر قتلة.
فان الخلط الاكبر والاكثر خطورة، هو ذلك القائم بين النظرة الى المرأة في اليهودية، والمسيحية، والاسلام، واعتبارها واحدة.
واذا كان المجال المتاح هنا لا يتسع للخوض الكامل في هذه القضية الخطيرة، فان بعض الاشارات قد تشكل مفاتيح واضاءات.
بدءا من ابسط التجليات: الحضور.
فالمرأة في الانجيل والقرآن، والسنة وحياة السيد المسيح، حاضرة بقوة، ولحضورها سمات: هي الام، »ام المسيح ـ ام الله« »ام المؤمنين« وهي الابنة، والمؤمنة المناضلة »المريمات ـ مرثا ـ اليصابات ـ الخ…« ومثلهن في الاسلام، وهي التي تسبغ عليها اجمل الصفات ليس فقط في الكتب وانما في الطقوس..
فهي اولا صاحبة لقب »السيدة« السيدة مريم، السيدة عائشة، السيدة زينب، الخ.. لدرجة ان كلمة السيدة، تغني في التداول المسيحي عن اسم مريم او لقب العذراء..
وهي: الحنونة، رمز الرحمة والمعونة.. الممتلئة نعمة، المباركة، شفيعة البشر.. سيدة الشفاء والمحبة والعطاء و… هذا التناقض الدموي لا يعود ابدا الى تناقض المتعدد مع التوحيد، كما يفسره البعض خطأ.. لان الايليين الكنعانيين كانوا اكثر توحيدا من عبدة يهوه، الذين تتحدث التوراة نفسها اكثر من مرة عن »آلهتهم« وتتحدث عن يهوه نفسه بانه انثى وذكر… وانما هو تناقض كامل في المفاهيم الاساسية، يتجلى رمزيا فيما يسمى »ديانات الماء« و»ديانات النار« حيث كان الخط الفكري الكنعاني يقوم على »رمز الماء« وهو رمز انثوي في بعده الميثولوجي: فالاسطورة الاولى تبدأ بالخلق من الماء والتعميد منذ ما قبل المسيح يتم بالماء… و»خلقنا من الماء كل شيء حي..«.
في حين ان الكفر اليهودي يقوم على رمز النار »عمود النار« وهو رمز ذكوري.. مع ما ينجم عن ذلك من قيم ومفاهيم.. تتجلى في كافة المجالات، ومنها المرأة..
تجل نجده كاملا في كتاب »اللآلىء« من النصوص الكنعانية، الذي ترجمه هـ.ي. ديل مديكو عن الواح اوغاريت، ونقله الى العربية مفيد عرنوق.
وهو عبارة عن نصوص كتبها كبير كهنة اوغاريت »ايلي ميلكو« كدروس تحكي اخبار الملك الراحل، وتلقى على ابنائه كدروس في الاخلاق والعقائد الدينية والسياسية والسلوك الشخصي.
بين هذه الدروس واحد يحمل عنوان: »نظرة الكنعاني الى المرأة«، ويبدأ بالعبارة التالية:
»نساء كنعان اشبه ما يكن بالآلهة، لانهن جميلات، وعالمات«.
ويمضي النص مستعرضا الموجبات: »يجب عدم الاقتراب من المرأة بافكار سيئة«. »عندما نعانق امرأة يجب ان نضمها بشدة وحنان« »لا تجوز مشاجرة امرأة حامل« »علينا ان نتهيب ساعة الولادة، وعلى كل من يخيف امرأة ان يهرب..«.
»الصلاة للآلهة الانثى، من الصدر تتلى، وليس من الشفاه«.
هذه الصورة الحضارية في مقاربة موضوع المرأة هي التي ورثتها المسيحية والاسلام ولم ترثها اليهودية…