فابيوس ـ غايسو؟

السياسة العربية الأوروبية، 12-03-2000

“سألني احد الزملاء توضيحا بشأن ما يسمى بقانون فابيوس ـ غايسو، نصه، حيثيات اقراره وتسميته”.

هذا القانون هو تعديل اقرته الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1990 على قانون حرية الصحافة لعام ،1981 وتمثل في ادخال مادة جديدة هي المادة 24 الملحقة والتي تقول:

»يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة السادسة من المادة ،24 الذين يرتكبون جريمة او عدة جرائم ضد الانسانية، وفق ما حددتها المادة السادسة من نظام المحكمة العسكرية الدولية، الملحق باتفاقية لندن في 8 آب 1945«.

ومعروف ان هذه المحكمة هي المعروفة باسم محكمة نورنمبرغ.

منذها اصبح محظورا تحت طائلة القانون على كل مؤرخ ان يدقق في نتائج محكمة نورنمبرغ التي اعترف رئيسها الامريكي انها »شكلت آخر فصل في الحرب العالمية الثانية، وانها لم تلتزم بالقواعد الحقوقية العادية في موضوع الادلة والادانة«.

فيما يشكل اعتداء على حرية الرأي والبحث العلمي والتعبير في بلد يدعي انه مصدر الحريات.

اما التسمية »فابيوس ـ غايسو«، فهي نسبة الى لوران النائب غايسو رئيس المجموعة الشيوعية في الجمعية الوطنية، الذي تبنى مشروع القانون وطرحه فيها، ولوران فابيوس رئيس الجمعية الوطنية آنذاك الذي ادرجه على جدول الاعمال بعد 24 ساعة فقط من طرحه وعمل على اقراره بسرعة.

واما خلفياته والظروف التي اقر فيها، فهي مركز الاهمية في الموضوع.

لقد بنى اليهود والصهيونية العالمية، ابتزازهم للعالم »المنتصر والمهزوم« بعد الحرب العالمية الاولى، على قصة عذابات اليهود، والهولوكوست، واسطورة افران الغاز.. فكان التعويض الاساسي الذي دفعه العالم معنويا وماديا وحقوقيا، هو دولة اسرائيل، اضافة الى استمرار التعويضات الاخرى »مادية ومعنوية وسياسية« التي لا يعرف احد نهايتها، مما اشاع المقولة: »ان اسرائيل هي ثمن الهولوكوست« كما جعل ناحوم غولدمان يكتب »لم اكن اتصور كيف كان يمكن ان تقوم دولة اسرائيل لولا التعويضات«.

هذا اضافة الى النفوذ الذي حققه اليهود في الدول الغربية، كتعويض عن عذاباتهم.

ومنذ الخمسينات كانت هناك اصوات في اوروبا تصرخ محتجة على الاكذوبة الكبرى التي شكلتها قصة الهولوكست، وابرزها صوت »بول راسينيه« صاحب المؤلفات العديدة ومنها »اكذوبة اوليس«، وكان راسينيه مثله مثل زملائه، معتقلا سابقا عرف معسكرات الاعتقال النازي كاسوأ ما يكون، وخرج لا لينكر ان اليهود كانوا عرضة للتعذيب والموت فيها، وانما ليقرر حقيقتين: الاولى انهم كانوا جزءا من مجموعات كثيرة لاقت هذا العذاب، ولم يتميزوا عنها لا بسوء المعاملة ولا بعدد الضحايا.

والثانية انه لا وجود لقصة افران الغاز وحرق اليهود احياء فيها.

ظل صوت راسينيه وسواه اضعف من ان يترك تأثيرا يستفز اليهود، الى ان برزت في الثمانينات حركة علمية بحثية دقيقة، وعلى رأسها البروفسور روبرت فوريسون باحثا، والناشر بيير غييوم ناشرا ومحركا لجماعة من الباحثين والعلماء، الذين تجمعوا من صفوف اقصى اليسار واليمين الديغولي، وحتى من خارج فرنسا. بحيث ثارت في الثمانينات قضية خطيرة عرفت »بقضية فوريسون«، يوم ادعت الجمعيات اليهودية، على البروفسور، وغييوم وصحيفة لوموند ونعوم شوامسكي، وبعد سلسلة ماراثونية من المحاكمات تمكن فوريسون من ربح الدعوى، بسبب استناده في انكاره التام لافران الغاز الى كم من الوثائق العلمية والتاريخية، واهمها تقرير لجنة »روختر« الامريكية، الذي اثبت عبر الفيزياء والكيمياء استحالة ان تكون المواقع التي اشير اليها افران غاز للمحرقة… اضافة الى تكذيب عدد من الامور الاخرى..

وبدأ نمو هذا التيار يتسارع حتى في صفوف باحثي المركز القومي للبحوث (C.B.R.S)، كما قطع بيير غييوم خطوة اخرى عندما اصدر مجلة »حوليات التاريخ المراجع«، وتتالت الكتابات، والمحاكمات واعتداءات الشوارع الدامية، وتكسير المكتبات… الخ..

وحيث تصادف نمو هذا التيار مع نمو التعاطف مع القضية الفلسطينية بعد الـ ،67 فقد بدا من الضروري استصدار تشريع رسمي يكم الافواه، ويخنق المراجعين.

عدة محاولات، فشلت، غالبا لأن اية مجموعة نيابية لم تقبل تبني مشروع القرار في الجمعية الوطنية، الى ان جاء عام الـ ،90 وانهيار الاتحاد السوفياتي وجدار برلين، وحاجة الحزب الشيوعي الى اندماج جديد في الحياة السياسية، فكانت الصفقة.. وكي يؤمن نجاحها افتعلت قضية مقبرة كاربنترا، التي سوقت اعلاميا وسياسيا بحيث هيأت الاجواء لاقرار القانون »في وجود عدد كبير من المسؤولين اليهود المتحمسين لاسرائيل: رئيس الجمعية الوطنية ـ وزير الداخلية ـ مستشار الرئيس… الخ….«.

بعدها جرت عدة محاولات لتعديل هذا القانون منها طلب قدمه النائب توبون عام ،1991 »محتجا على تثبيت الحقيقة التاريخية بواسطة القانون بدلا من ترك التاريخ العلمي يقولها… ومعتبرا ان المادة 24 تمثل خطأ سياسيا وحقوقيا خطيرا«.

واعترض الكثير من النواب والحقوقيين، معتبرين انه يمثل انزلاقا نحو الجريمة السياسية وجريمة الرأي.. ولكن عبثا…

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون