طويلا اوقفونا في زنزانة اليأس التي تكاد تتسع لاجسادنا وتضيق كثيرا على ارواحنا.
طويلا قاموا بعملية غسل دماغنا، سواء بواسطة الفيلم المدروس المتكرر الذي يمر متكررا امام عيوننا، ام بواسطة الاسطوانة الببغائية التي اقامت الطنين في رؤوسنا.
حتى بدا ان الناس جميعا قد ماتوا، او بالاحرى تحولوا الى مخلوقات هلامية، ومن ثم الى اجسام سائلة اندلقت كلها في سيل الاستسلام، والقبول، وتلقي القبلة الصادقة، والقبلة المسمومة، والشتيمة والبصقة بردة فعل واحدة، او بالاحرى بدون ردة فعل…
ولان الامل بالحاضر بات من باب اللاواقعية والافراط في التفاؤل، فقد اصبح المطلوب اجتثاث نبتة الامل بالمستقبل. لذلك كان لا بد من استتباب القناعة ايضا بانه لا خير في هذه الاجيال الشابة… وبان العمل على تفريغها روحيا ووطنيا وثوريا، قد ادى الى مخلوقات نمطية لا تنتمي الا الى السوق.
ولان الانجاز التكتيكي الانجع الذي ساعد الصهيونية على تحقيق اهدافها، تمثل في حالة التجزئة، من تجزئة سايكس – بيكو، الى تجزئة المفاوضات الثنائية، فقد تركز العمل على تكريس التجزئة، في النفوس والعقول، بحيث بات التنافس على »التقدم« في العلاقة مع اسرائيل، بديلا عن حالة التضامن في مواجهتها منذ اوسلو ووادي عربة الى الحل النهائي ومفاوضات شبر دزتاون.
وهذا ما حاول ان يلعب عليه رئيس الوزراء الفرنسي والمتصهين عندما هاجم حزب الله، واتهم سوريا، في حين عمد بالمقابل الى اصدار تصريحات ايجابية شكليا بخصوص الحكم الذاتي ، والمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية. علما بان هذه التصريحات لم تخرج عن نطاق الشكلية ودائرة ما يرضي اسرائيل.
مرة واحدة، جاء الرد على ما بدا انه اصبح مسلمتين مستقرتين:
انقطاع شرايين الدورة الدموية القومية، وعبثية جيل الشباب ولا مبالاته.
من لبنان الى بير زيت رد الشباب انفسهم، بيافطاتهم، ببياناتهم، بعملهم، بحيويتهم…….بكل ما لا يختلف عن كل ما كنا نفعله نحن عندما كنا مثلهم.
“من بير زيت الى بيروت….وطن واحد لا يموت”
“شعب يقاوم….. وطن ينتصر”
“يا بحرية هيلا هيلا”
وعشرات الشعارات … تؤكد ان الوطن لا يموت، ووحدته لا تموت، وترد على الذين يتهموننا، حين نصر على ذلك، باننا ما زلنا نقاتل بسيف من خشب عتيق، ردا تحمله حجارة شباب جدد.
ربما كانوا يعرفون جميع الالحان الغربية والعالمية، ولكنهم ينشدون فيروز في واحد من اكثر الحانها فولكلورية واستنهاضا: “يا بحرية هيلا…. هيلا”.
لكأن القطيعة التي نتحدث عنها بين الاجيال، هي قطيعة هؤلاء مع اعتذارات الكبار المدجنة وديبلوماسيتهم من غزة الى بيروت، قطيعة الصدق مع النفاق، ودوافع الحس والكرامة على ضرائب الارتباطات وقيود الحسابات.