و.. بناء عليه.. تقوم فرنسا بالاعتذار عن ارهابها، الذي اسمته يوما مقاومة.. وينصب تمثال لهتلر في ساحة الشانزليزيه، ويستدعى اولاد شارل ديغول وفرانسوا ميتران للاعتذار عن الاعمال الارهابية التي قام بها والداهم ضد الرايخ الثالث.
وبناءا عليه تلف فرنسا رداءها حول عنقها، وتنسل الى الوقوف في آخر الصف الطويل وراء الولايات المتحدة الامريكية، رامية في مزبلة التاريخ، حلمها (وربما حلم اوروبا) بدور مستقل او شبه مستقل عن دور واشنطن في هذه المنطقة التي حلم ديغول يوما بان يشكل حول بحرها الالفي، محورا اقليميا قويا يقيم مع اوروبا، توازنا ازاء قوة القارة الجديدة. فلماذا يتعب العرب انفسهم في رفض الاميركي، طالما سيكون الاوروبي اسوأ، واكثر تهودا وصهينة؟!
فالموقف اما ان يبنى على الماضي واما على الحاضر..
واذا كنا قد قررنا طي صفحة ماضينا المر مع القارة الجارة، منذ روما الى الحروب الصليبية، الى مرارة الاستعمار الفرنسي – الانكليزي – الايطالي – البرتغالي- الى جروح سكاكين سايكس – بيكو، وزرع سرطان وعد بلفور.. الى الهدية الفرنسية المثلى، المتمثلة في بناء المفاعل النووي الاسرائيلي.. والى حرب الخليج الاخيرة.. فان تصريحات الرئيس التنفيذي الفرنسي، الذي لا ندري ما اذا كان يزحف على ركبتيه ام يطير فرحا، الى الحضن اليهودي، تدعونا الى اعادة تقليب هذه الصفحات، والتمعن بها جميعا..
واذا كانت هذه التصريحات قد جاءت بعد موقف مماثل من الايطالي دليما، فان صورة عمر المختار المقترنة بصورة شهداء الجزائر، تدفعنا الى السؤال: لماذا نتحمس لاعطاء دور اكبر لاوروبا في المنطقة؟
وهل ان هذه القارة تأتينا الا لطمع في ثرواتنا؟ عندما كنا نشعر رغم كل شيء باننا اقرب الى فرنسا، واوروبا، منا الى اميركا، فانما بسبب الحضارة والقيم: اية قيم هي اذن، ما يعبر عنها المسؤول الفرنسي، اذ ينعت مقاومة الاحتلال بالارهاب ويدينها؟
اما محاولة تخفيف الامر بالحديث عن العلاقات التقليدية، فاية علاقات هي تلك التي بدأت بالبحث عن حصة في املاك الرجل المريض، وادعاء حماية جزء من رعاياه على اساس ديني، لجعلهم مسمار جحا، او رأس الحربة؟
واما العلاقات الثقافية والحضارية التي تكونت فيما بعد، والتي يمكن التأسيس عليها لعلاقات صحية من التفاعل والاحترام وتبادل المصالح، فانها لن تكون الضحية الوحيدة لمواقف قطاع متهود متصهين، كجوسبان، او كجاك لانغ، هذا الاخير الذي طالما ذاب المثقفون العرب في غرامه واذابونا في مديح يساريته.. او اذابونا في الاتهامات عندما كنا نقول لهم ان هذا اليسار الاشتراكي الفرنسي، الذي التف عام 1968 على اليسار الحقيقي، بتخطيط يهودي، واختراق يهودي اوروبي، هو في النهاية اكثر قربا لاسرائيل من اي يسار او يمين، وما انتصاره الا انتصار للنفوذ اليهودي الصهيوني.
من هنا، لا يجوز ان نعمم موقف جوسبان وامثاله على الشعب الفرنسي كله، وللمصادفة، انني بنيت مقال الامس – وقبل تصريحات جوسبان – على ما قاله لي صحافي فرنسي قادم من جنوب لبنان عن تعاطفه مع اللبنانيين لانهم يجسدون له مفهوم »مقاومة المحتل«.
ولذا كانت المطالبة اللبنانية باستقالة الحكومة الفرنسية، ردا سياسيا ذكيا، ردا يفترض ان يشكل تأسيسا لعمل عربي يستهدف الضغط والتأثير في الخيارات السياسية للدول التي تربطنا بها مصالح اساسية.
واذا كانت اوروبا، واسرائيل قد سمحت لنفسها بالتدخل في شأن نمساوي داخلي لمجرد انه تعارض مع سياساتها ونفوذ اللوبي اليهودي فيها، فان على الدول العربية ان تستعمل قدراتها الضاغطة لمعاقبة اي موقف يسيء لها ولمصالحها، ولحقوقها الاساسية، وذلك اما بالمقاطعة او الضغط الاقتصادي والاعلامي والسياسي، سواء عبر الجامعة العربية ام عبر كل دولة من دولنا.
هذا المجال من العمل الدبلوماسي والشعبي ساحة مقصورة على اللوبيهات اليهودية تنصب فيها من تشاء، وتدعم من تشاء وتهدم من تشاء.. فيرد لها كل منهم الدين، او يدفع الشر، بما تشاء..