في ختام ندوة الاتجاه المعاكس، حول دور اللوبي اليهودي الصهيوني في تحريك الاحداث ضد مشاركة حزب الحرية النمساوي في الحكومة النمساوية، وجه مدير الندوة لنا السؤال:
بناء على هذا التدخل، غير المسبوق في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، يحق لنا ان نتساءل: كم من هايدر عربي، وكم من نمسا عربية سنواجه في المستقبل؟
وكان الرد بأن الغاية من الحفاظ على نفوذ اللوبيات اليهودية في اوروبا، وسواها، هو الحفاظ على وجود اسرائيل وهيمنتها وبسط نفوذها على المنطقة وعلى العالم.
واذا كان اقل تعرض لهذه الهيمنة هناك في اوروبا، قد اثار كل هذه الضجة، فكيف يمكن ان نتصور ردة الفعل عند أي تعرض للهيمنة والغطرسة الاسرائيلية في منطقتنا؟
ألن يكون لنا ان نتصور ان مجرد تحليلنا للاحداث بالطريقة التي مارسناها الآن، وتحديد موقف قومي منحاز لمصالحنا بهذا الشكل، لن يؤدي بعد سنوات، الى اتهامنا انا وانت بالعنصرية، واللاسامية، والتحريض… و.. و..؟
الجواب الفعلي عن هذا السؤال لم يحتج الى سنوات كما توقعت.. بل الى يومين فقط، اذ اندلعت نيران البركان الاسرائيلي الكلامي احتجاجاً على زيارة الرئيس مبارك الى لبنان.
رئيس عربي، يزور بلداً عربياً، فتحتج اسرائيل، لماذا؟
لأن لبنان بلد محتل الارض، يعاني يوميا من الاعتداءات الوحشية الاسرائيلية، التي لا تترك زرعاً ينمو الا وأحرقته، ولا تترك بيتاً يبنى الا ودمرته، ولا تترك نوراً يضيء الا واطفأته..
لكن لبنان رغم ذلك كله، يأبى الهجرة من الجنوب، ويأبى الا اعادة الزرع واعادة البناء واعادة تشغيل النور.. والاهم من ذلك كله يأبى الركوع وخنق مقاومة ابنائه للعدو المحتل.
اما جريمته الكبرى، فهي انه يقدم (بكل وقاحة) على قتل عميل تخلى عن وطنه للتعاون مع عدوه…
فكيف يقدم رئيس بلد السد العالي، وبلد حرب السويس، وضابط ابطال العبور، على زيارته تضامنا؟!
هذا ما لا تسامح به اسرائيل، وما تسمح لنفسها بالاحتجاج عليه…
لان على مصر ان تمحو كل تاريخها، كي لا تبقي منه الا كامب ديفيد. وان تمحو كل دورها كي لا تبقي منه الا دور وسيط التفاوض..
ليس مبارك بعد هايدر عربي..
لكن التعامل مع زيارته للبنان هو أول الغيث وأول الغيث قطرة… أما الغيث الحقيقي فقد اعتدناه كذاك الذي ينهمر على الجنوب اللبناني كل يوم…
الشق الثاني من الجواب التطبيقي حمله اليّ هذا الصباح التلفزيون الاسرائيلي عبر برنامج تضمن احتجاجاً ضد »التطرف العربي« وتركز بشكل رئيسي على زيارة الرئيس المصري، لكنه لم ينس ان يورد – ولو سريعاً – لقطة من ندوة الاتجاه المعاكس المذكورة، لتتهمنا، صاحب البرنامج وأنا، بالتشدد والتحريض، ولتهاجمني قائلة انني من »اصل عراقي«.
ولا اظن ابداً ان اسرائيل تجهل أصل وفصل كل اعلامي في المنطقة، خاصة وانه ليس ما يوحي بأنني عراقية.. غير ان المقصود هو أولاً ابعاد حقيقة كون موقف كموقفي يمكن ان يصدر عن ماروني لبناني… ويمكن ان يكون له، اضافة الى بعده القومي، علاقة بما يجري في لبنان. وثانيا: تركيز تهمة التطرف والتشدد بحق العراق، وكأنه آخر المعاندين…
لم يفعل رئيس أكبر دولة عربية الا زيارة دولة شقيقة…
ولم نفعل نحن الا ايراد تحليل علمي مدروس موثق، في كل كلمة فيه… لم يدعُ لا الى الارهاب ولا الى الحرب.. وانما سلط الضوء على الحقائق..