العبرة بالنتائج..
هكذا يقول حكماء السياسة.. لكن النتائج لا تولد من فراغ، انها كما يدل اسمها “نتائج”.. اذن فالاهمية، للمسببات، هذه التي تحدد قيمتها بنجاحها في الوصول الى حيث نريد..
في ضوء هذه القاعدة يبدو التحرك الاوروبي للتململ، في محاولة الخروج من نير النفوذ اليهودي هناك، وبالتالي من واقع تحوير مجرى كل الانهار كي تصب في كيان اسرائيل، تحركا في غير مصلحة العرب.
بدليل ان ظاهرة نمو اليمين، (ولا اقول المتطرف، لان هذه الصفة من صنع الاعلام اليهودي)، قد صبت في محصلة الامر في المصب الذي وجهها اليه اللوبي اليهودي الصهيوني العالمي، فها هو لورنس ايغلبرغر يعلن بدء حملة التعويضات للحاصلين على عقود تأمين، منذ 1920 الى ،1945 وها هو وزير الخارجية الامريكي يعلن تحمل بلاده مسؤولية مباشرة في جعل العالم كله يدفع لضحايا محارق النازي.
وها هي عشرة الاف منظمة يهودية في جميع انحاء العالم تتحرك، فتوضع الخطوط الهاتفية تحت تصرف المعنيين مباشرة، وتنزل الاستمارات على شركات الانترنت بسبع وثلاثين لغة.
ها هي الحكومة النمساوية تتحرك قبل سواها للالتزام بالدفع..
واذا كان المحللون السياسيون يقولون بان هذه الضجة حول النمسا هي بالدرجة الاولى رسالة موجهة الى المانيا، فها هو الرئيس الالماني يهرع صاغرا مستغفرا الى تل ابيب، وقبله مستشاره شرودر، مقدما الولاء والاعتذار في مؤتمر ستوكهولم..
وحتى مؤتمر ستوكهولم، الذي عقدته الجمعيات اليهودية لتكريس اسطورة الهولوكو ست، الم يأت ردا على تحركات المؤرخين الاوروبيين الداعين الى اعادة النظر في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وتحركات الفلاسفة وعلماء السياسة الذين تبنوا نظرية »حرية اختيار الذاكرة«، وتحرر الجيل الحالي من ذنب الحرب العالمية الثانية؟
اذن، وبالمنطق الانفعالي الفوري، علينا نحن كعرب، ان نقف ضد اليمين الاوروبي دون ان نعرف عنه شيئا، وان نقف ضد المؤرخين »المراجعين« حتى ولو كنا نعرف ان كل ما يقولونه موثق وصحيح من الناحية العلمية والتاريخية. وان نقف ضد الفلاسفة والسياسيين الذين يعتبرون ان من حق الشعوب بعد خمسين سنة على حروبها، ان تختار ذاكرتها، بناء على التمحيص والتدقيق، وان تتحرر من عقدة الذنب.. بل وان نقف ضد الشعوب التي لا تتفق خياراتها الديمقراطية مع الخيار اليهودي الصهيوني.
اي ان علينا ان نساعد اليهود في قمع الحقيقة، كي لا يتمكن الصهاينة من تجيير عدم القمع، واستغلاله لصالحهم.
الغريب في هذا المنطق السطحي، انه يبنى على ردة الفعل، وينسى الفعل، وانه يبنى على النتائج وينسى الاسباب، وانه في المحصلة، ينطلق، ولو لا شعوريا، من التسليم بمنطق الشلل العربي الكامل، وعدم مسؤولية القائمين على السياسة والفكر والعلم في هذه الامة، عن تحريك اية اسباب، وتجييرها، وبقول حق، لتصب في القدس الشرقية بدلا من القدس الغربية.
الحرب العالمية الثانية قضت على خمسين مليون بشري منهم مليون يهودي (والرقم لم يعد موضع نقاش بعد ان اضطرت لجنة اسويتز الى تغيير اللوحة التي على مدخل المعسكر).. حسنا! هؤلاء الضحايا، هم ضحايا العرقية النازية، التي قامت على مبدأ تفوق العرق الجرماني، وحقه بل ودوره في حكم العالم.. وهم ضحايا البربرية العسكرية، وجنون الحرب والتوسع العسكري، لاحتلال اراضي الغير بالقوة. حسنا..!
التعويض عن هذه الجرائم لم يسقط بمرور الزمن رغم مرور اكثر من نصف قرن، لان هذا النوع من الحقوق لا يسقط.. حسنا! ثمة دول وشركات ومؤسسات مسؤولة عن هذه المأساة.. وعليها التعويض.. حسنا!
الحروب، الاوروبية، الامريكية، والصهيونية، قضت عندنا على ملايين البشر.. والارقام هنا ليست مدعاة للنقاش.
ضحايا الحرب الصهيونية عندنا هم ضحايا عرقية يهودية صهيونية تقوم على مبدأ تفوق العنصر اليهودي (شعب الله المختار) (ابناء الله وابناء الناس) وحق هذا العنصر في حكم العالم وتهويده، انطلاقا من ارض اسرائيل الكبرى بعد تهويدها (اما بالاحتلال العسكري او الاقتصادي والثقافي).. هنا نجد جرما اضافيا للصهيونية لم تقترفه النازية. لان هتلر انطلق من ارض هي ارضه، وشعب هو شعب تلك الارض، وبهذا يكون اشبه بالامريكيين او الانكليز او الفرنسيين، او حتى الرومان واليونان الاستعماريين، في حين ان الصهيونية تريد ان تنطلق من ارض هي ارض شعب اخر وموطنه منذ فجر التاريخ، ولذلك عملت على طرده منها واغتصابها وتجريده من كل حقوقه، وذلك بالبربرية العسكرية، وجنون الحرب، والتوسع العسكري.. واحتلال ارض الغير..
واذا كانت الحقوق الفردية في التعويض لا تسقط بمرور الزمن، فان الحق القومي الوطني لشعب كامل لا يمكن ان يسقط..
وثمة دول، وشركات، ومؤسسات مسؤولة عن هذه المأساة، بدءا من تركيا، الى فرنسا، وبريطانيا، الى الولايات المتحدة.. الى الصهيونية العالمية، التي تشترك في مسؤوليتها جميع المؤسسات اليهودية العالمية.
كل هؤلاء مجرمون ازاءنا اكثر مما كانته النازية ازاء اليهود..
فلماذا لا نأخذ من تحرك اليهود على الساحات الدولية، حجة، ونموذجا لمطالبة جميع هؤلاء بالتعويضات المادية، والمعنوية، الروحية والموقفية السياسية؟
لماذا لا نبدأ حملة جادة، دولا، ومؤسسات، واحزابا وجاليات مهاجرة، لتسويق ما ارتكب بحقنا من جرائم، والمطالبة بالتعويض ليس فقط المالي، بل الحقوقي والسياسي؟
وهنا سنجد ان مصلحتنا ستلتقي تماما مع مصالح كل دعاة الحقيقة في الغرب، من يمين او من يسار، وخاصة من العلماء المدققين.