كي لا ننسى!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 05-02-2000

مرحلة سوريالية جديدة، أم حالة تبلد غير عادي في كل انواع المشاعر وأولها تلك المتعلقة بالكرامة، أم حالة انقلاب مفاهيم تجعل من الطبيعي ان يمشي المرء على رأسه، ويفكر بقدميه، ويرى بشيء لا علاقة له بكل الحواس؟؟!

وزير اسرائيلي، يأتي الى الباقورة ليحتفل، بمقتل بضع طالبات اسرائيليات، بعد اسبوع من انكشاف حلقة جديدة من المجازر العربية على يد اليهود، في الطنطورة، ليدعو جميع الزعماء العرب الى الاعتذار عن قتلى اليهود في الصراع العربي الاسرائيلي.

ووزير اسرائيلي آخر، يصرح بأن جوهر دولة اسرائيل هو »الا ننسى، والا نسمح لغيرنا بأن ينسى« وذلك في مجال الحملة المسعورة التي تقودها اسرائيل، ومن ورائها يهود العالم، والدول التي نجح نفوذ هؤلاء في تحديد موقفها، على النمسا، لانها قبلت ان يدخل في تشكيل الحكومة، حزب يمثل غالبية شعبها.

لا ننسى.. ولا نسمح لغيرنا بالنسيان…

هذا عندما يكون الموضوع المعرض للنسيان، اذى – اربعة اخماسه كذب – لحق باليهود.

يجب على غيرنا ان ينسى… وان يقدم لنا الاعتذار..

عندما يتعلق الامر باغتصاب أرض، وتشريد شعب، ومصادرة حقوق أمة بكاملها، ومتابعة التخطيط لاذلالها، وفرض الاستسلام عليها، والسيطرة على ثرواتها، وناسها«.

كل هذا على الزعماء العرب – برأي وزير اسرائيلي – ان ينسوه ويعتذروا لأسر كل يهودي، جاء من اقصى الارض، ليسلبنا ارضنا، ويبيدنا، فحصل ان تصدينا له وقتلناه.

سيكون على كل امرأة عربية ان تعتذر عن سناء محيدلي، عن دلال المغربي، عن كل طفل انجبه رحم من ارحامنا، فحمل الحجر ليموت أو تتكسر عظامه على ارض فلسطين..

سيكون على كل رجل عربي ان يعتذر، عمن كانوا يوماً رجالاً، وحاولوا ان يفعلوا ما يفعله الرجال الشرفاء منذ بدء الخليقة.

سيكون على كل طفل عربي ان ينسى »بحر البقر« و»دير ياسين« و»قانا« وآلاف المواقف…

سيكون على كل مدرس عربي، ان يعتذر لأنه زرع في رأس طلابه ان ارض فلسطين عربية، وان عصابات الهاغانا لم تنشر المحبة والازدهار والانسانية، وان الصهيونية ليست حركة تحرير شعبية، وان له علاقة نسب ما بصلاح الدين، وان أبا سلمى من عداد شعرائه، وان له الحق في وراثة كبرياء المتنبي ويوسف العظمة، وايمان سعيد العاص وعزالدين القسام، (لا هنا عليه ان يعترف، ويقول لطلابه، ان هذين ارهابيان معاديان للأمن والسلام).

عليه ان يقنع هؤلاء الطلاب ببساطة مطلقة انهم »غوييم« خلقوا لخدمة »شعب الله المختار« كما يقول الفقه اليهودي، الذي يقول ايضا ان قتل اليهودي لغير اليهودي »حلال«.

هنا، في المجال التربوي، لا يكفي الاعتذار الشفوي، فاسرائيل تعرف كيف تصر على مطلب تعديل المناهج التربوية، لالغاء كل كلمة تحريضية، وكل معلومة تاريخية، او جغرافية، او ادبية، او حتى دينية، »تثير مشاعر عدائية« وتنمي في الاجيال القادمة اي حس حقيقي بوجودهم، وبمن يكونون، بل وتعدهم لقبول الهيمنة الاسرائيلية، باعتبارها الوضع الطبيعي. فليس هدف السلام الاسرائيلي كسر رؤوسنا نحن أهل هذا الجيل، بل تغيير دماء الاجيال التي ستأتي بعدنا، لان كسر الرأس لا يظل مضمونا في ظل المتغيرات الدولية، التي لا يتكهن بها أحد.. اذا لم تكسر الارادة.. بل تنتفي.

ولأنه لا بد من حساب المتغيرات الدولية، التي يرد في احتمالاتها، بروز اوروبا ككتلة فاعلة دوليا على حساب الولايات المتحدة الاميركية، فان ما يمسك اوروبا، في خط التأييد لاسرائيل، ليس فقط اللوبيهات المسيطرة على الاعلام والثقافة والاقتصاد، وانما اسطورة الهولوكوست، وعذابات اليهود في الحرب العالمية الثانية، بل ان هذه الاسطورة هي التي تجعل الرأي العام يقبل بسيطرة اللوبيهات المذكورة، ولان سيادة هذه الاسطورة بدأت تهتز في اكثر من دولة اوروبية، وليست النمسا المثال الوحيد، لذلك كله، ركز مؤتمر الجمعيات اليهودية الذي عقد في ستوكهولم، قبل اسبوع، على المناهج التربوية في اوروبا، وضرورة تضمنها لموضوع الهولوكوست كمادة مقررة.

»ان جوهر دولة اسرائيل الا ننسى، والا نسمح لغيرنا بالنسيان…«.

وأن.. نجبر العرب على النسيان…

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون