كنّا كلنا نعتقد بأننا بتنا على أبواب الخروج من البحر..
كان العام 1989م، وبغداد ترفع بشارات مستقبل يطلق الأمة كلها من العجز..
والزمن العربي كله، يعد بفرصة للخروج الى البحر، ومن البحر..
المربد.. الأخير قبل الطوفان، آخر موسم للقاء قوافل المبدعين على ضفاف دجلة..
عشرات، بل ومئات… حضور يمتد من الخليج الى المحيط، في كف بغداد..
كف مبسوطة، تنقر منها الحمامات حب التواصل، والتفاعل، والأمل بمستقبل حركة ثقافية حيّة في شرايين الضاد، تدفع الدماء الى دماغها ووجهها والألق والاشراق الى عينيها…
حالة نهوض، تطلع، وانطلاق.. من يتهجى، من يصوغ، ومن يحلق.. نهر يتدفق من سومر وأوغاريت من امرىء القيس والخنساء.. من اسحق بن حنين، من أسرار الجاحظ وبيانه، الى تبيين أسرار الحداثة وآفاقها.
نخلة تنهض قامتها من الأرض الى الفضاء.. من الماضي الى الآتي حلماً ووعداً.. أي زمن عربي كنّا نحلم به!!
كنّا نرى ارهاصاته في حضور المرأة ونمو جناحيها، وانضمامها المتحمس الى سرب الذين يحاولون رسم واستطلاع الفضاء بالكلمة.
فتعانقنا أرواح مي، وهدى، وأمين، وجبران، الذي رأى في تطور المرأة مقياساً فاصلاً لتطور أي مجتمع.
كنّ عشرات: العراقية، والأردنية والمصرية، والتونسية واللبنانية والمغربية و… الكويتية.
ملاصقة غرفتي لغرفة ليلى العثمان، أحاديث طويلة، تفجر جميل بالحياة امرأة حرة.. منتجة.. وو.. »وسمية تخرج من البحر«.
تراسلنا بعدها.. تحدثنا عن »وسمية تخرج من البحر« تناقشنا حول الرواية من زوايا فنية نقدية..
لكن: لم يخطر ببالنا لحظة واحدة ان في هذه الرواية، ما يتنافى مع التقاليد والأخلاق والدين… لم يقل أحد ذلك منذ صدورها عام 1984م.
لم يخطر ببالنا، ان نتنادى، في معرض الكتاب الدولي في القاهرة، عام 1998م، الى توقيع كتاب تضامن مع ليلى العثمان، المسجونة بسبب روايتها هذه، ومثلها زميلتها علياء شعيب.
ولم يخطر ببالنا، حتى يومها، اننا سنسمع مع بدايات الألفين، ان حكماً صدر بحق الكاتبتين.
مسجلاً نقطة محددة في صراع اتجاهين يتنازعان الكويت، والخليج، والعالم العربي كله.
ليس الأمر محاكمة لليلى العثمان ولا لعلياء شعيب، انه محاكمة مرحلة، ونهج، وسياق، أراد به هذا الانسان العربي القفز الى قطار الزمن.
محاكمة بأثر رجعي يمتد ستة عشر عاماً الى الوراء (الوراء الأمام، والأمام الوراء…).
محاكمة لنهار تحدى الليل وحاول أن يحلم بالضوء.. وانذار للكثيرين الذين ما يزالون مصرين على الحلم.
انها هزيمة الكاتبتين الكويتيتين في حرب الخليج…
هزيمة مرحلة كاملة، أريد لها ان تهزم في تلك الحرب التي اعترف فاروق الشرع بأننا خرجنا منها كلنا مهزومين…
هل كان الشرع يعني السياسة وحدها..
أم ان السياسيين ينتبهون أيضاً الى هزيمة الثقافة أيضاً…