في القضايا الحقوقية، يكتسب المصطلح ودقته، اهمية خاصة تنبع من طبيعة ما يثبته او يلغيه من حقوق، بل ومما ينتج عن تبنيه ورفضه.
واذ نسمع في الفترة الاخيرة حديثا كثيرا ما يتداول كلمة “الديا سبورا الفلسطينية” فانه لا بد من التوقف طويلا ليس فقط امام “المصطلح” بل امام ما يعكسه استعماله في البعد الحقوقي، العلمي “سياسة واجتماع”، والسيكولوجي. ليتبين لنا مدى المغالطات والتشويش اللذين نقع فيهما دون ان ندري.
“فالديا سبورا” كلمة معروفة في القاموس اليهودي، وفي القاموس العالمي بخصوصيتها اليهودية، لتعني التشرد اليهودي، خارج “ارض الميعاد”.
اي ان كل يهودي يعيش خارج ارض الميعاد، هو، منذ الاف السنين في »الديا سبورا« لانه ليس في “ارضه”.
اي، وبمعنى اخر، ان هذا اللفظ هو مصطلح حقوقي يثبت بندين قانونيين، بنظر اليهود: الاول ان “ارض الميعاد” هي ارض اليهود.
والثاني ان كل يهودي في العالم، هو في ديا سبورا مؤقتة الى ان تتحقق له العودة الى بلاده، وطرد “الطارئين” المدنسين لها” منها.
ربما راقت المقارنة، القائمة على هذا الطرح، بين اليهود والفلسطينيين، للبعض فلذ لهم استعمال “الديا سبورا الفلسطينية” رغبة في تثبيت ملكية ارض فلسطين، وحق كل مشرد في العودة اليها.
لكن هذه النية الحسنة، وهذا القصد الذي يبدو لاول وهلة ذكيا متحذلقا يسقط امام التحليل في مطبات خطيرة: اولها انه يوحي، بالدرجة الاولى بالمساواة بين اليهود والفلسطينيين، سواء في الحق ام في التشتت.
وثانيها، انه بمجرد قبول المقارنة يقفز فوق القاعدة الاساسية الحقوقية لادعاء الحق في هذه الارض.
وثالثها انه، وبلعبة اعلامية سيكولوجية ذكية “لطرف وجاهلة لاخر” يثبت في وعي ولا وعي المتلقي، دلالة تاريخية يهودية، هي من اكثر ما تحرص عليه الصهيونية العالمية للوصول الى نتائج محددة.
لماذا؟
اولا اليهود ليسوا مشتتين، والا فان المسلمين مشتتين، والمسيحيين مشتتين، لانهم لا يعيشون في دولة واحدة خالصة.
والقاعدة الحقوقية الدولية، ان الشعب الواحد، يعيش على ارضه الواحدة، وما من قاعدة تقول ان اتباع الدين الواحد ينعزلون على ارض واحدة يستفردون بها، ويطردون اهلها منها.
وثانيا: لان الاساس الحقوقي لادعاء اليهودي حقه في فلسطين هو اسطورة »وعد الهي« عرفته كثير من الاجناس والشعوب في مراحل طوطميتها الاولى وتجاوزته الاديان والحضارات.
اما الاساس الحقوقي الفلسطيني، فامر اخر قائم على قوانين الطبيعة، وعلم الاجتماع وعلم السياسة: شعب، تكون ككل شعوب الارض من اعراق واديان واجناس، استقروا في بقعة جغرافية معينة وعاشوا عليها الاف السنين. ولذلك فان طردهم منها تشتت.
ثالثا: لان مجرد قبول استعارة المصطلح يضمر معنى المساواة بين الاثنين في »التشتت« وبالتالي في الحق. فينتزع من المواطن الفلسطيني حقا واقعا، ليلبسه اسطورة زائفة.
رابعا لان تكريس مصطلح، يحيي تكريس القاموس كله، وتكريس الايحاءات كلها.
اما، السؤال عن حاجتنا الى استعارة مصطلح كهذا، فليس جوابه هو المقولة التي تنفذ بسطحية: حارب عدوك بسلاحه. وانما هو في علم النفس الجمعي، الذي يسبر موقف المهزوم من المنتصر، اذ يصبح الاول معجبا، بدونية قاسية، وان ممزوجة بالكراهية، بالثاني، وبكل ادواته واساليبه.. ويصل به اليأس حد تصور ان استعماله ايا منها، ربما اوصله الى تعديل هزاله وفشله.. الى ما اوصلت اليه اصحابها، وهذا اشبه باستعمال المواد السامة في الادوية، اذا اسيء ادى الى اذى اكثر.. الى تثبيت مفاهيم العدو وتثبيت انتصاره.