هذا الاردن.. هذا الجزء الصغير من امتنا الكبيرة.. لكأنه رمز لثرائها الفذ، ومخزن حي لتجسد قيمها وطموحاتها، لكأن سيرته جديلة ممتدة تضفر فيها احلامها منذ فجر التاريخ والى اليوم.
لكأنك في الساعات الصعبة تعود لتفك الجديلة وتكتشفه .
حضارة ممتدة اكثر من سبعة الاف عام، وجغرافية تحمل من غنى التنوع، ما يندر ان تضمه بيئة اخرى، وانسان طيب، قومي بطبعه، ومساعد بطبعه، ومتقبل للجديد متعلم للافضل بسرعة.
تكتشفه في حلم (ميشع) ملك مؤاب، في البناء والتحرير، حلم حرص صاحبه على ان يسجل تحققه وانجازه على مسلة في حلم اهل عمون، يرفعون فوق جبل القلعة مدينتهم ويطلقون عليها لقب »الملكية« ، ينمونها ويطورونها مع توالي العصور.
في حلم شعراء ام قيس وفلاسفتها من ميا غروس، الى فيلو ديموس الى ارابيوس، وكلهم يمزج الشعر بالفلسفة ، بالعلم، وبذاك الحس المنفتح الممتد.
‘جزيرة صور مربيتي، وجدارا موطني، فان كنت سوريا اي عجب في ذلك ايها الغريب.. كلنا نسكن وطنا واحدا هو العالم.«
يقول مليا غروس، ليضيف اليه فيلو ديموس »اطلق على القدر اسم محب الناس لانني بحاجة دائما الى آخر اسمه ديمو اي الانسان«.
تكتشفه في حلم الحارث الثالث النبطي بتوحيد بلاد الشام كلها، حلم جعله يمد حكمه حتى الشام ويحاصر القدس.
حلم لم يكن فقط قوميا وانسانيا بل خصوصي في علاقة فريدة بين الحاكم والشعب جعلت المؤرخ سترابو يكتب عن ملوك الانباط:
»ان الانباط لا يقتنون سوى عدد قليل من العبيد.. يخدمون بعضهم بعضا، او يخدمون انفسهم بانفسهم، حتى ا ن الملوك يتبعون هذه العادة.. وهكذا ترى ان الملك ديمقراطي يقوم بخدمة نفسه والاخرين، وكثيرا ما يقدم حساب نفقاته الى الشعب، حتى ان الملوك كثيرا ما يخرجون ببزات خفيفة لا احزمة لها وبالنعال.«
ويستمر الحلم في تجليات تتوالى، ويستمر الاردن يختزنها ويثرى، مؤديا نصيبه الثر في سيرة حياة امتنا، وان كتب لها ان تعيش مراحل سوداء فان عمق جذورها في الارض يظل مكمن الامل في تجدد غصونها.