انها في الجنوب وهذه المرة، فيتنام اللبنانيين!
تعيد الى المتداول السياسي مصطلحا، كان قد اختفى »المستنقع اللبناني«، وتؤكد ان ارادة الانسان اقوى من موازين القوى، وفوق التفوق. وتجعل اسرائيل، تقف وربما للمرة الاولى حائرة، امام ذلك الوطن الذي ظل قرابة عقدين حائرا بين الموت والحياة، الى ان انتصرت الثانية، باهرة…
غير ان الانتصار الكبير لا يكمن في مقتل ضابطين اسرائيليين كبيرين خلال ايام ومعهما من معهما..
ولا يكمن في ذكريات »عناقيد الغضب« التي انفرطت حباتها تحت اقدام هؤلاء الجنوبيين الفلاحين، الذين يواجهون عناقيد الحصرم الاسرائيلي، بخوابي الخمر الالفي المعتق. الذي تذكر رائحته الجنوبية، قادة الليكود الحاكم اليوم، بان اللعب بالنار اللبنانية هو ما سبب خسارة العمل الحاكم بالامس. فيقفون عاجزين..
لا يكمن في ان هذا الجنوب، لم يعد خشبة خلاص نفسه فحسب، وانما بات هو خشبة خلاص الجولان: فاما انسحاب من الاثنين معا ، واما البقاء في المستنقع الجنوبي.
لا يكمن الانتصار الكبير في كل هذا، وانما فيما هو اعمق، وما يقف وراء كل هذا.. انه في تلك الوجوه، وتلك السواعد التي جاءت من »القديس يوسف« ومن »الاميركية« الى ارنون.
اجل، من تلك التي اصروا على تسميتها بـ »الشرقية«، وتلك التي اصروا على تسميتها بـ: »الغربية«، لتسقط التسميتان معا في ارنون.
هؤلاء الذين ولدوا، والاسلاك تفصل شقي مدينتهم، تحت طائلة الموت، هم الذين رفعوا بأيديهم الاسلاك التي طوقت عنق قرية في جنوب وطنهم.
هؤلاء الذين قيل ان الحرب شوهتهم، وان دفع الاستهلاك ميعهم، وان عبثية ما بعد الحرب شطبت فعلهم، وان تغريب كل منهم عن الآخر جعله لا يحس بالهم العام.
هؤلاء الشباب، هم الذين حملوا هويتهم الحضارية، ودخلوا امتحان ارنون، ليثبتوا نجاح لبنان الباهر في امتحان الحقيقة.
ليسقطوا مقولات الفرز الطائفي، وفرز المدينة عن القرية، وفرز الجيل الجديد عن جيل النهوض القومي بل وفرز الطبقات، وحكر النضال على »الكادحين«.
لم نر واحدا منهم يلقي خطابا رنانا، كما اعتدنا، ولكننا رأينا سواعدهم تنتزع الاسلاك عن ارض لم تجف من عروقها بعد دماء اترابهم المتدافعين بعد 1982. الم يكن اولئك الاستشهاديون ايضا شبابا من جيل الحرب، وينتمون الى مختلف الطوائف والمناطق، بل والاقطار؟
هل يمكن ان تكون الحقيقة مستعصية الى هذا الحد، على الموت؟!
أليس من المستحيل شطب واقع حضاري الفي، بدخان عقدين؟