نظام غذائي علائقي

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

ليس غريبا ان يسجل كتاب عن المطبخ والطعام رقما قياسيا في قائة المبيعات في بلد ما. وكلنا يذكر طغيان «الشيف رمزي» على محمود درويش في معرض الكتاب العربي في عمان، العام الفائت.

من هنا يبدو تسجيل كتاب من هذا النوع لـ «جاك» سالومي، رقما قياسيا على قائمة الكتب الصادرة في فرنسا هذا العام، خبرا عاديا.

لكن الاطلاع على الكتاب، وعلى تقديم كاتبه له، يقود الى ابعاد اجتماعية بالغة العمق والاهمية.

الكتاب لا يقدم اطباقا، او ترتيب مائدة، وانما يشكل دليلا يهدي القارىء، او القارئة، الى وسائل جمع عدد من الاصدقاء او المعارف او حتى الاهل حول مائدة، بمعنى آخر، وسيلة تستعمل الطعام اغراءا او سببا لاقامة علاقات انسانية معينة، لاخراج المرء من دائرة الوحدة المرة.

قد يبدو هذا المر مثيرا للسخرية لنا نحن الذين تشكو معداتنا وصحتنا ووقتنا من تزاحم الدعوات والجلسات، نحن الذين يردد كل منا ببساطة انه لا يمكن ان يأكل وحده. والذين نرتب كل امورنا ومواعيد عملنا كي تتمكن الاسرة من اللقاء على الوجبات الثلاث.

لكن الكاتب الفرنسي يقول في مقدمة كتابه:

«ان الفقراء الجدد هم الفقراء بالعلاقات، المعدمون من التبادل الانساني، لقد بات الناس اليوم يعيشون وراء ابواب مقفلة. يتحدثون الى كلابهم. ويبلغ عدد هؤلاء تسعة ملايين في فرنسا».

انها وحدة انسان المجتمعات الصناعية، وحدة ضحايا السوق والاستهلاك، وحدة الفردية، القاتلة، تجعل الكلب بديلا عن الانسان الآخر، لانه يمنح شيئا من الود في نظرته اذ تمسح على ظهره. وشيئا من الفرح في تلويح ذيله، اذ تفتح عليه الباب الذي لا احد خلفه، وشيئا الركون الوديع اليك اذ تجلس وحيدا امام المدفأة، وشيئا من الرفقة اذ تسير في شارع خاو. اذ لا احد من الآلاف الذين يعبرونه معني بك. وشيئا من الامان الذي يندر ان تجده عند الانسان في مجتمع قيم المادة والاستهلاك.

امام هذه الوحدة يتطلع الواحد منا الى شكواه من مجتمع لا يتركك وشأنك لدقيقة، ليكتشف ان ذلك افضل بكثير من صقيع تسول علاقة انسانية.

وليكتشف ان تقاليدنا وعاداتنا، على كل ما فيها من عناصر ازعاج، تشيع في عالمنا هذا الدفء الممطر، وهذا الفيء الذي أين منه صحراء الوحدة.

تنظر الى العمق الذي يخفيه الاعتياد، وتكتشف ان شكل مجلس الطعام «الدائري»، الذي لا مكان فيه لما يسمى في الغرب «رأس الطاولة» المستطيلة، وتقاليد تناوله، وطقوسها، كما تقاليد العضوية البسيطة في الدعوة العادية الى طعام، تعكس علائقية اجتماعية جميلة، لا تحتاج الى كتاب يقدم «مئة وعشرين قاعدة غذائية لبناء علاقة انسانية».

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون